اللَّهُمَّ أَيُّنَا كَانَ أَهْجَرَ وَأَقْطَعَ لِلرَّحِمِ فَاحْنِهِ الْيَوْمَ أَيْ فَأَهْلِكْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ دعاء شِبْهَ هَذَا، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ قُرَيْشٍ وَقْتَ خُرُوجِهِمْ لِنُصْرَةِ الْعِيرِ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «١» الْآيَةَ وَهُوَ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَلَكِنَّهُ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْكُمْ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَقَدْ جاءَكُمُ مَا بَانَ لَكُمْ بِهِ الْأَمْرُ وَاسْتَقَرَّ بِهِ الْحُكْمُ وَانْكَشَفَ لَكُمُ الْحَقُّ بِهِ، وَيَكُونُ الِاسْتِفْتَاحُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ وَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْكُفْرِ وَإِنْ تَعُودُوا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقِتَالِ مُحَمَّدٍ بَعْدُ نَعُدْ إِلَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَخِذْلَانِكُمْ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ تَنْتَهُوا خِطَابٌ لِلْكَافِرِينَ أَيْ وَإِنْ تَنْتَهُوا عَنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا لِمُحَارَبَتِهِ نَعُدْ لِنُصْرَتِهِ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَإِنْ تَنْتَهُوا عَنْ أَمْرِ الْأَنْفَالِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى بِبَدْرٍ وَإِنْ تَعُودُوا إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ نَعُدْ إلى الإنكار وقرىء: وَلَنْ يُغْنِيَ بِالْيَاءِ لِأَنَّ التأنيث مجاز وحسنه الفصل، وَقَرَأَ الصَّاحِبَانِ وَحَفْصٌ: وَأَنَّ اللَّهَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِهَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَاللَّهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لَمَّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ وَإِنْ تَنْتَهُوا وَكَانَ الضَّمِيرُ ظَاهِرُهُ الْعَوْدُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نَادَاهُمْ وَحَرَّكَهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نِدَاءٌ وَخِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْخُلَّصِ حَثَّهُمْ بِالْأَمْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمَّا كَانَتِ الْآيَةُ قَبْلَهَا مَسُوقَةً فِي أَمْرِ الْجِهَادِ. قِيلَ مَعْنَى أَطِيعُوهُ فِيمَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ، وَقِيلَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَأَفْرَدَهُمْ بِالْأَمْرِ رَفْعًا لِأَقْدَارِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مَأْمُورًا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ تَنْتَهُوا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ فَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي النَّفْلِ وَمُجَادَلَتِهِمْ فِي الْحَقِّ وَتَفَاخُرِهِمْ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ وَالنِّكَايَةِ فِيهِمْ وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ نِدَاءٌ وَخِطَابٌ لِلْمُنَافِقِينَ أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ لِأَنَّ وَصْفَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ مِنَ التَّصْدِيقِ فِي شَيْءٍ وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ نِدَاءٌ وَخِطَابٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ أَيْضًا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْآيَاتِ وَأَصْلُ وَلا تَوَلَّوْا وَلَا تَتَوَلَّوْا، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي حَرْفِ التَّاءِ فِي نَحْوِ هَذَا أَهِيَ حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ أَمْ تَاءُ تَفْعَلُ وَالضَّمِيرُ فِي عَنْهُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وأطيعوا
(١) سورة الأنفال: ٨/ ٣٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute