للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشَبَّهَ بِهِمْ لَا يَسْمَعُونَ أَخْبَرَ أَنَّ شَرَّ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَدِبُّ الصُّمُّ أَوْ أَنَّ شَرَّ الْبَهَائِمِ فَجَمَعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ جَمْعِ الدَّوَابِّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ شَرُّ الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا وَمَعْنَى الصُّمُّ عَنْ مَا يُلْقِي إِلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ الْبُكْمِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ وَمَا فِيهِ نَجَاتُهُمْ ثُمَّ جَاءَ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْمُنْتِجِ لَهُمُ الصَّمَمَ وَالْبَكَمَ النَّاشِئَيْنِ عَنْهُ وَهُوَ الْعَقْلُ وَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّمَمِ لِأَنَّهُ ناشىء عَنْهُ الْبَكَمُ إِذْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَصَمَّ خَلَقَهُ أَبْكَمَ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا يَتَلَقَّنُهُ وَيَتَعَلَّمُهُ مَنْ كَانَ سَالِمَ حَاسَّةِ السَّمْعِ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ «١» إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي هَذَا وَصْفَ الْعَمَى وَكُلُّ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ قَبُولِهِمْ لِلْإِيمَانِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْعُمُومُ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ لَا نَسْمَعُهُ وَلَا نُجِيبُهُ فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِبَدْرٍ وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ.

وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ وَهُدَاهُمْ إِنَّمَا هُوَ بِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَسَبَقَ مِنْ قَضَائِهِ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةٍ بَلِيغَةٍ فِي ذَمِّهِمْ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَالْمُرَادُ لَأَسْمَعَهُمْ إِسْمَاعَ تَفَهُّمٍ وَهُدًى ثُمَّ ابْتَدَأَ عَزَّ وَجَلَّ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ خَتْمِهِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ فَقَالَ: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ أَيْ وَلَوْ فَهَّمَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ بِالْقَضَاءِ السَّابِقِ فِيهِمْ وَلَأَعْرَضُوا عَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الْهُدَى، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ الصُّمِّ الْبُكْمِ خَيْرًا أَيِ انْتِفَاعًا بِاللُّطْفِ لَأَسْمَعَهُمُ اللُّطْفَ بِهِمْ حَتَّى سَمِعُوا سَمَاعَ الْمُصَدِّقِينَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا يَعْنِي وَلَوْ لَطَفَ بِهِمْ لَمَا نَفَعَهُمُ اللُّطْفُ فَلِذَلِكَ مَنَعَهُمْ أَلْطَافَهُ أَيْ وَلَوْ لَطَفَ بِهِمْ فَصَدَّقُوا لَارْتَدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَّبُوا وَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَأَسْمَعَهُمْ جواب كلما سَأَلُوا، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَأَسْمَعَهُمْ كَلَامَ الْمَوْتَى الَّذِينَ طَلَبُوا إِحْيَاءَهُمْ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا إِحْيَاءَ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ وَغَيْرِهِ لِيَشْهَدُوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: التَّعْبِيرُ عَنْ عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ بِعَدَمِ عِلْمِ اللَّهِ بِوُجُودِهِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَوْ حَصَلَ فِيهِمْ خَيْرٌ لَأَسْمَعَهُمْ اللَّهُ الْحُجَجَ وَالْمَوَاعِظَ سَمَاعَ تَعْلِيمٍ مُفْهِمٍ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا وَتَوَلَّوْا وَهُمْ معرضون، وقال أيضا:


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>