للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا كَانَ الْإِمْطَارُ لِلْحِجَارَةِ عَلَيْهِمْ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْعَذَابِ كَانَ النَّفْيُ مُتَسَلِّطًا عَلَى الْعَذَابِ الَّذِي إِمْطَارُ الْحِجَارَةِ نَوْعٌ مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ولم يجىء التَّرْكِيبُ، وَمَا كَانَ اللَّهُ ليمطر أوليائي بِعَذَابٍ وَتَقْيِيدُ نَفْيِ الْعَذَابِ بِكَيْنُونَةِ الرَّسُولِ فِيهِمْ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَفَارَقَهُمْ عَذَّبَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعَذِّبْهُمْ إِكْرَامًا لَهُ مَعَ كَوْنِهِمْ بِصَدَدِ مَنْ يُعَذَّبُ لِتَكْذِيبِهِمْ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لُغَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِي الْقُرْآنِ انْتَهَى، وَبِفَتْحِ اللَّامِ فِي لِيُعَذِّبَهُمْ قَرَأَ أَبُو السَّمَالِ، وَقَرَأَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِالْفَتْحِ فِي لَامِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ «١» ، وَرَوَى ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُ كُلَّ لَامٍ إِلَّا فِي نَحْوِ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ انْتَهَى، يَعْنِي لَامَ الْجَرِّ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الظَّاهِرِ أَوْ عَلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالظَّرْفِيَّةُ فِي فِيهِمْ مَجَازٌ وَالْمَعْنَى: وَأَنْتَ مُقِيمٌ بينهم غير راجل عَنْهُمْ.

وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. انْظُرْ إِلَى حُسْنِ مَسَاقِ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ لَمَّا كَانَتْ كَيْنُونَتُهُ فِيهِمْ سَبَبًا لِانْتِفَاءِ تَعْذِيبِهِمْ أَكَّدَ خَبَرَ كَانَ بِاللَّامِ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَوْ جَعَلَ خَبَرَ كَانَ الْإِرَادَةَ الْمَنْفِيَّةَ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ وَانْتِفَاءُ الْإِرَادَةِ لِلْعَذَابِ أَبْلَغُ مِنِ انْتِفَاءِ الْعَذَابِ وَلَمَّا كَانَ اسْتِغْفَارُهُمْ دُونَ تِلْكَ الْكَيْنُونَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يُؤَكِّدْ بِاللَّامِ بَلْ جَاءَ خَبَرُ كانَ قَوْلُهُ مُعَذِّبَهُمْ، فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ اسْتِغْفَارِهِمْ وَكَيْنُونَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا فِي الْجُمَلِ عَائِدَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبْزَى وَأَبُو مَالِكٍ وَالضَّحَّاكُ مَا مُقْتَضَاهُ: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ مُعَذِّبَهُمْ عَائِدٌ عَلَى كُفَّارِ مَكَّةَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَقُوا بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَيْ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ الْكُفَّارَ وَالْمُؤْمِنُونَ بَيْنَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَدْفَعُ فِي صَدْرِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ رُدَّ الضَّمِيرُ إِلَيْهِمْ لَمْ يَجْرِ لَهُمْ ذِكْرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا مَا مُقْتَضَاهُ إِنَّ الضَّمِيرَيْنِ عَائِدَانِ عَلَى الْكُفَّارِ وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ غُفْرَانَكَ وَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا هُوَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ فَجَعَلَهُ اللَّهُ أَمَنَةً مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا عَلَى هَذَا تَرَكَّبَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا أَمَنَتَيْنِ كَوْنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ وَالِاسْتِغْفَارَ فَارْتَفَعَتِ الْوَاحِدَةُ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَارُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ عَائِدٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يُسْلِمَ وَيَسْتَغْفِرَ فَالْمَعْنَى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ الكفار ومنهم من


(١) سورة عبس: ٨٠/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>