للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُمْلَةِ مَا يُعَذَّبُونَ بِهِ كَقَوْلِهِ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ «١» قَالَهُ الْحَسَنُ، وَقِيلَ الْخَبِيثُ مَا أُنْفِقَ فِي الْمَعَاصِي وَالطَّيِّبُ مَا أُنْفِقَ فِي الطَّاعَاتِ، وَقِيلَ الْمَالُ الْحَرَامُ مِنَ الْمَالِ الْحَلَالِ، وَقِيلَ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ مِنَ الَّذِي أدّيت زكاته، وقل هُوَ عَامٌّ فِي الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَرَكْمُهَا خَتْمُهَا وَجَعْلُهَا قَلَائِدَ فِي أَعْنَاقِ عُمَّالِهَا فِي النَّارِ وَلِكَثْرَتِهَا جَعَلَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنِيُّ بِالْخَبِيثِ الْأَمْوَالَ الَّتِي أَنْفَقُوهَا فِي حَرْبِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ:

الْفَائِدَةُ فِي إِلْقَائِهَا فِي النَّارِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ عَزِيزَةً فِي أَنْفُسِهَا عَظِيمَةً بَيْنَهُمْ أَلْقَاهَا اللَّهُ فِي النَّارِ ليريهم هو أنها كَمَا تُلْقَى الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي النَّارِ لِيَرَى مَنْ عَبَدَهُمَا ذُلَّهُمَا وَصَغَارَهُمَا وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِالْخَبِيثِ الْكُفَّارُ وَبِالطَّيِّبِ الْمُؤْمِنُونَ إِذِ الْكُفَّارُ أُولَاهُمُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ، وَقَوْلِهِ فَسَيُنْفِقُونَها وبقوله ثم إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ وَأُخْرَاهُمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وَلَمَّا كَانَ تَغَلُّبُ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ يَرْجُو بِذَلِكَ حُصُولَ الرِّبْحِ لَهُ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا فِي إِنْفَاقِهِمْ وَأَخْفَقَتْ صَفْقَتُهُمْ حَيْثُ بَذَلَ أَعَزَّ مَا عِنْدَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَذَابِ اللَّهِ وَلَا خُسْرَانَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي قِرَاءَةِ لِيَمِيزَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ «٢» وَيُقَالَ مَيَّزْتُهُ فَتَمَيَّزَ وَمَيَّزْتُهُ فَانْمَازَ حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وَفِي الشَّاذِّ وَانْمَازُوا الْيَوْمَ وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

لَمَّا ثَنَى اللَّهُ عَنِّي شَرَّ عُذْرَتِهِ ... وَانْمَزْتُ لا منسأ ذعرا وَلَا رَجُلَا

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ لَمَّا ذَكَرَ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ حَشْرِهِمْ إِلَى النَّارِ وَجَعْلِهِمْ فِيهَا وَخُسْرِهِمْ تَلَطَّفَ بِهِمْ وَأَنَّهُمْ إِذَا انْتَهَوْا عَنِ الْكُفْرِ وَآمَنُوا غُفِرَتْ لَهُمْ ذُنُوبُهُمُ السَّالِفَةُ وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِهَاءِ عَنْهُ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ سِوَى الْكُفْرِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَعْنَى إِنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ وَاللَّامُ فِي لِلَّذِينَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّبْلِيغِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ أَلْفَاظُ الْجُمْلَةِ الْمَحْكِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَسَوَاءٌ قَالَهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَمْ غَيْرِهَا، وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ اللَّامَ لَامَ الْعِلَّةِ، فَقَالَ: أَيْ قُلْ لِأَجْلِهِمْ هَذَا الْقَوْلَ إِنْ يَنْتَهُوا ولو كان بمعنى خاطبتهم بِهِ لَقِيلَ إِنْ تَنْتَهُوا نَغْفِرْ لَكُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَحْوُهُ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ «٣» خَاطَبُوا بِهِ غيرهم ليسمعوه انتهى، وقرىء يُغْفَرْ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالضَّمِيرُ لله تعالى.


(١) سورة التوبة: ٩/ ٣٥.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٧٩.
(٣) سورة الأحقاف: ٤٦/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>