للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ هَذَا يَتَضَمَّنُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ فَكَأَنَّهُ قِيلَ هَؤُلَاءِ فِي لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ هُمْ مُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللَّهِ فَهُمُ الْغَالِبُونَ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يَنْصُرْهُ وَيُعِزَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لَا يُغَالَبُ بِقُوَّةٍ وَلَا بِكَثْرَةٍ حَكِيمٌ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا أَوْ حَاكِمٌ بِنَصْرِهِ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فَيُدِيلُ الْقَلِيلَ عَلَى الْكَثِيرِ.

وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. لَوْ الَّتِي لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ لِلْمُضِيِّ فَالْمَعْنَى لَوْ رَأَيْتَ وَشَاهَدْتَ وَحَذْفُ جَوَابِ لَوْ جَائِزٌ بَلِيغٌ حَذْفُهُ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ أَيْ لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَجِيبًا وَشَأْنًا هَائِلًا كَقَوْلِهِ وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ «١» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلائِكَةُ فَاعِلُ يَتَوَفَّى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ وَالْأَعْرَجُ تَتَوَفَّى بِالتَّاءِ وَذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ تَأْنِيثَ الْمَلَائِكَةِ مَجَازٌ وَحَسَّنَهُ الفصل، وَقِيلَ: الْفَاعِلُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْفَاعِلُ ضَمِيرُ اللَّهِ والْمَلائِكَةُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، كَهِيَ فِي يَضْرِبُونَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُضَعِّفُهُ سُقُوطُ وَاوِ الْحَالِ فَإِنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ تَلْزَمُ مِثْلَ هَذَا انْتَهَى، وَلَا يُضَعِّفُهُ إِذْ جَاءَ بِغَيْرِ وَاوٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ والْمَلائِكَةُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا أَوْ هُوَ وَأَعْوَانُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَكُونُ التَّوَفِّي قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ أَوِ الْمَلَائِكَةُ الْمُمَدُّ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالتَّوَفِّي قَتْلُهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَالتَّوَفِّي سَوْقُهُمْ إِلَى النَّارِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ، وَالظَّاهِرُ حَقِيقَةُ الْوُجُوهِ وَالْأَدْبَارِ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَسْتَاهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَخُصَّا بِالضَّرْبِ لِأَنَّ الْخِزْيَ وَالنَّكَالَ فِيهِمَا أَشَدُّ، وَقِيلَ: مَا أَقْبَلَ مِنْهُمْ وَمَا أَدْبَرَ فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّارِبِينَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ يَضْرِبُ الْمُؤْمِنُونَ فَمَنْ كَانَ أَمَامَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ضَرَبُوا وُجُوهَهُمْ وَمَنْ كَانَ وَرَاءَهُمْ ضَرَبُوا أَدْبَارَهُمْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ ضَرْبَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِسِيَاطٍ مِنْ نار، وقوله وذُوقُوا هَذَا عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ وَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَتْ لَهُمْ أَسْوَاطٌ مِنْ نَارٍ يَضْرِبُونَهُمْ بِهَا فَتَشْتَعِلُ جِرَاحَاتُهُمْ نَارًا أَوْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ لِلْكَافِرِينَ إِمَّا فِي الدُّنْيَا حَالَةَ الْمَوْتِ أَيْ مُقَدِّمَةَ عَذَابِ النَّارِ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، ذلِكَ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَطْفٌ عَلَى ما أي ذلك


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٢٧، ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>