الصَّحَابَةِ أَنَّ ثَبَاتَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ كَانَ فَرْضًا لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِمُ انْتَقَلَ إِلَى ثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَمْ نَدْبًا هُوَ نَسْخٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تَخْفِيفٌ لَا نسخ كمكي بن طَالِبٍ ضَعِيفٌ.
قَالَ مَكِّيٌ: إِنَّمَا هُوَ كَتَخْفِيفِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَلَوْ صَامَ لم يأتم وَأَجْزَأَهُ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ أَنَّ فَرْضِيَّةَ الثَّبَاتِ أَوْ نديبته كَانَ أَوَّلًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ الْعِشْرُونَ تَمْثِيلًا لِلسَّرِيَّةِ وَالْمِائَةُ تَمْثِيلًا لِلْجَيْشِ فَلَمَّا اتَّسَعَ نِطَاقُ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ بَعْدَ زَمَانٍ كَانَ الْمِائَةُ تَمْثِيلًا لِلسَّرَايَا وَالْأَلْفُ تَمْثِيلًا لِلْجَيْشِ وَلَيْسَ فِي أَمْرِهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِتَحْرِيضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ دَلِيلٌ عَلَى ابْتِدَاءِ فَرْضِيَّةِ الْقِتَالِ بَلْ كَانَ الْقِتَالُ مُفْتَرَضًا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ حَثًّا عَلَى أَمْرٍ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَنَصَّ تَعَالَى عَلَى سَبَبِ الْغَلَبَةِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَوْمٌ جَهَلَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْرِ احْتِسَابٍ وَطَلَبِ ثَوَابٍ كَالْبَهَائِمِ فَتُفَلُّ نِيَّاتُهُمْ وَيَعْدَمُونَ لِجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ نُصْرَتَهُ فَهُوَ تَعَالَى يَخْذُلُهُمْ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَهُوَ مَوْعُودٌ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ وَالْغَلَبَةِ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا وَيَثْبُتَ الْوَاحِدُ لِلْعَشَرَةِ،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ حَمْزَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فَلَقِيَ أَبَا جَهْلٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ، قِيلَ ثُمَّ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَضَجُّوا مِنْهُ وَذَلِكَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَنُسِخَ وَخُفِّفَ عَنْهُمْ بِمُقَاوَمَةِ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ
، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الَّذِي اسْتَقَرَّ حُكْمُ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ وَقَفَ بِإِزَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا فَالْهَزِيمَةُ عَلَيْهِ مُحَرَّمَةٌ مَا دَامَ مَعَهُ سِلَاحُهُ يُقَاتِلُ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ فَلَهُ أَنْ يَنْهَزِمَ وَإِنْ قَابَلَهُ ثَلَاثَةٌ حَلَّتْ لَهُ الْهَزِيمَةُ وَالصَّبْرُ أَحْسَنُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ جَيْشَ مُؤْتَةَ وَكَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَفُوا لِمِائَتَيْ أَلْفٍ مِائَةُ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ وَمِائَةُ أَلْفٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ وَرُوِيَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا لِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي تَارِيخِ فَتْحِ الْأَنْدَلُسِ أَنَّ طَارِقًا مَوْلَى مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ سَارَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ وَسَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَالْتَقَى هُوَ وَمَلِكُ الْأَنْدَلُسِ لُذْرِيقُ وَكَانَ فِي سَبْعِينَ أَلْفٍ عِنَانٍ فَزَحَفَ إِلَيْهِ طَارِقٌ وَصَبَرَ لَهُ فَهَزَمَ اللَّهُ الطَّاغِيَةَ لُذْرِيقَ وَكَانَ الْفَتْحُ انْتَهَى وَمَا زَالَتْ جَزِيرَةُ الْأَنْدَلُسِ تَلْتَقِي الشِّرْذِمَةُ الْقَلِيلَةُ مِنْهُمْ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ النَّصَارَى فَيَغْلِبُونَهُمْ، وَأَخْبَرَنَا مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الدَّيْمُوسِ الصَّغِيرِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا مِنْ مَدِينَةِ غَرْنَاطَةَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةِ فَارِسٍ مِنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْبَرْبَرِ وَكَانَ النَّصَارَى مِائَةَ أَلْفِ رَاجِلٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ رَامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ بَيْنَ رَامٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute