للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ وَكَانَتْ عَلَى صُوَرِ الْبَقَرِ، فَقَالُوا: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً، فَهَجَسَ فِي نَفْسِ السَّامِرِيِّ أَنْ يَفْتِنَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَاتَّخَذَ لَهُمُ الْعِجْلَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ، وَكَانَ مُنَافِقًا يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِمُوسَى، فَاتَّخَذَ عِجْلًا مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَعْبُدُهُ، وَفِي اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ إِلَهًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُجَسِّمَةً أَوْ حُلُولِيَّةً، إِذْ مَنِ اعْتَقَدَ تَنْزِيهَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتِحَالَةَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ، تَبَيَّنَ لَهُ بِأَوَّلِ وَهْلَةٍ فَسَادُ دَعْوَى أَنَّ الْعِجْلَ إِلَهٌ. وَقَدْ نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ وغيرهما قَصَصًا كَثِيرًا مُخْتَلِفًا فِي سَبَبِ اتِّخَاذِ الْعِجْلِ، وَكَيْفِيَّةِ اتِّخَاذِهِ، وَانْجَرَّ مَعَ ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، إِذْ لَمْ يَشْهَدْ بِصِحَّتِهَا كِتَابٌ وَلَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَتَرَكْنَا نَقْلَ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.

ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ: تَقَدَّمَتْ مَعَانِي عَفَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَفَا عَنْهُ مِنْ بَابِ الْمَحْوِ وَالْإِذْهَابِ، أَوْ مِنْ بَابِ التَّرْكِ، أَوْ مِنْ بَابِ السُّهُولَةِ، وَالْعَفْوُ وَالصَّفْحُ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى.

وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُسْتَعْمَلُ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الصَّفْحِ إِلَّا فِي الذَّنْبِ، فَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ هُنَا بِمَعْنَى التَّرْكِ أَوِ التَّسْهِيلِ، فَيَكُونُ عَنْكُمْ عَامُّ اللَّفْظِ خَاصُّ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْعَفْوَ إِنَّمَا كَانَ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَحْوِ، كَانَ عَامًّا لَفْظًا وَمَعْنًى، فَإِنَّهُ تَعَالَى تَابَ عَلَى مَنْ قُتِلَ، وَعَلَى مَنْ بَقِيَ، قَالَ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ «١» .

وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى بَعْدَ قَتْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ أَنِّي قَبِلْتُ تَوْبَتَهُمْ فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ لَمْ يُقْتَلْ فَقَدْ تُبْتُ عَلَيْهِ وَغَفَرْتُ لَهُ.

وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: عَفَوْنَا عَنْكُمْ، أَيْ بِسَبَبِ إِتْيَانِكُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَهِيَ قَتْلُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى اتِّخَاذِ الْعِجْلِ، وَقِيلَ: إِلَى قَتْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. لَعَلَّكُمْ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي لَعَلَّ فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، لُغَةً وَدَلَالَةَ مَعْنًى بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. تَشْكُرُونَ: أَيْ تُثْنُونَ عَلَيْهِ تَعَالَى بِإِسْدَائِهِ نِعَمَهُ إِلَيْكُمْ، وَتُظْهِرُونَ النِّعْمَةَ بِالثَّنَاءِ، وَقَالُوا: الشُّكْرُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ بِنِعْمَةِ الْمُنْعِمِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَبِالْقَلْبِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ حَقِّ الْمُنْعِمِ عَلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَبِالْعَمَلِ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً «٢» ، وَبِاللَّهِ أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ بِاللَّهِ لِأَنَّهُ لَا يَشْكُرُهُ حَقَّ شُكْرِهُ إِلَّا هُوَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

وَشُكْرُ ذَوِي الْإِحْسَانِ بِالْقَوْلِ تَارَةً ... وَبِالْقَلْبِ أُخْرَى ثُمَّ بِالْعَمَلِ الْأَسَنَّى

وَشُكْرِي لِرَبِّي لَا بِقَلْبِي وَطَاعَتِي ... وَلَا بِلِسَانِي بَلْ بِهِ شُكْرُهُ عنا


(١) سورة البقرة: ٢/ ٥٤.
(٢) سورة سبأ: ٣٤/ ١٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>