الْإِسْلَامِ. وَالْقُرَّاءُ عَلَى نَصْبِ أَحَبَّ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ. وَكَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ يَقْرَأُ: أَحَبُّ بِالرَّفْعِ، وَلَحَّنَهُ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَتَلْحِينُهُ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ النَّقَلَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنْ يُضْمَرَ فِي كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَيُلْزَمَ مَا بَعْدَهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ كَانَ.
وَتَضَمَّنَ الْأَمْرُ بِالتَّرَبُّصِ التَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ:
الْإِشَارَةُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْإِشَارَةُ إِلَى عَذَابٍ أَوْ عُقُوبَةٍ مِنَ اللَّهِ، والفاسقين عُمُومٌ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فِيمَنْ تَوَافَى عَلَى فِسْقِهِ، أَوْ عُمُومٌ مُطْلَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا هِدَايَةَ مِنْ حَيْثُ الْفِسْقُ، وَفِي التَّحْرِيرِ الْفِسْقُ هُنَا الْكُفْرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَابَلَهُ مِنَ الْهِدَايَةِ. وَالْكُفْرُ ضَلَالٌ، وَالضَّلَالُ ضِدُّ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَيَكُونُ الْفِسْقُ الْخُرُوجَ عَنِ الطَّاعَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَمْتَثِلُوا أَمْرَ اللَّهِ وَلَا أَمْرَ رَسُولِهِ فِي الْهِجْرَةِ.
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ لَمَّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ «١» وَاسْتَطْرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا اسْتَطْرَدَ ذَكَّرَهُمْ تَعَالَى نَصْرَهُ إِيَّاهُمْ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَالْمَوَاطِنُ مَقَامَاتُ الْحَرْبِ وَمَوَاقِفُهَا. وَقِيلَ: مَشَاهِدُ الْحَرْبِ تُوَطِّنُونَ أَنْفُسَكُمْ فِيهَا عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَهِيَ جَمْعُ مَوْطِنٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ قَالَ:
وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوَى
وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ: وَقَعَاتُ بَدْرٍ، وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَخَيْبَرَ، وَفَتْحِ مَكَّةَ.
وَوُصِفَتْ بِالْكَثْرَةِ لِأَنَّ أَئِمَّةَ التَّارِيخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَغَازِي نَقَلُوا أَنَّهَا كَانَتْ ثَمَانِينَ مَوْطِنًا. وَحُنَيْنٌ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قَرِيبٌ مِنْ ذِي الْمَجَازِ. وَصُرِفَ مذ هو بابه مَذْهَبَ الْمَكَانِ، وَلَوْ ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الْبُقْعَةِ لَمْ يُصْرَفْ كَمَا قَالَ:
نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أَزْرَهُ ... بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكَلَ الْأَبْطَالُ
وَعَطَفَ الزَّمَانَ عَلَى الْمَكَانِ. قَالَ الزمخشري: وموطن يوم حنين أوفى أَيَّامِ مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويوم عُطِفَ عَلَى مَوْضِعِ قَوْلِهِ: فِي مَوَاطِنَ، أَوْ عَلَى لَفْظِهِ بِتَقْدِيرِ: وَفِي يَوْمِ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْخَفْضِ انْتَهَى. وإذ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ وَأَضَافَ الْإِعْجَابَ إِلَى جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ كَانَ صَادِرًا مِنْ وَاحِدٍ لَمَّا رَأَى الْجَمْعَ الْكَثِيرَ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: لَنْ نغلب
(١) سورة التوبة: ٩/ ١٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute