نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةٌ ... وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ مِنْهُمْ وأقشعوا
وعاشرنا لا قى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ ... بِمَا مَسَّهُ فِي اللَّهِ لَا يَتَوَجَّعُ
وَثَبَتَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِي جُمْلَةِ مَنْ ثَبَتَ مُمْسِكَةً بَعِيرًا لِأَبِي طَلْحَةَ وَفِي يَدِهَا خِنْجَرٌ، وَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَغْلَتِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَاسْتَنْصَرَ اللَّهَ، وَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ وَحَصًا فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ: فَحَدَّثَنِي أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ قَالُوا: لَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ، وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ وَكَانَ صَيِّتًا: نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَنَادَى الْأَنْصَارَ فَخِذًا فَخِذًا، ثُمَّ نَادَى يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ، يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَكَّرُوا عُنُقًا وَاحِدًا وَهُمْ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: «هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» وَرَكَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ: أَنَّ هَوَازِنَ كَانُوا رُمَاةً فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُودُ بَغْلَتَهُ فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يَقُولُ:
«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ» قَالَ الْبَرَاءُ: كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنّ الشجاع منا الذي يُحَاذِي بِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ: «أكنتم وليتم يوم حنين يا أَبَا عُمَارَةَ؟» فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى.
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ السَّكِينَةُ: النَّصْرُ الَّذِي سَكَنَتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ الزمخشري: رَحْمَتُهُ الَّتِي سَكَنُوا بِهَا. وقيل: الوقار وَالثَّبَاتُ بَعْدَ الِاضْطِرَابِ وَالْقَلَقِ، وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ ثابت الجأش ساكنه، وعلى الْمُؤْمِنِينَ ظَاهِرُهُ شُمُولُ مَنْ فَرَّ وَمَنْ ثَبَتَ. وَقِيلَ: هُمُ الْأَنْصَارُ إِذْ هُمُ الَّذِينَ كَرُّوا وَرَدُّوا الْهَزِيمَةَ. وَقِيلَ: مَنْ ثَبَتَ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَالَةَ فَرَّ النَّاسَ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: سِكِّينَتَهُ بِكَسْرِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مُبَالَغَةً فِي السَّكِينَةِ. نَحْوُ شِرِّيبٍ وَطِبِّيخٍ.
وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها هُمُ الْمَلَائِكَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِعَدَدِهِمْ.
فَقَالَ الْحَسَنُ: سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثَمَانِيَةُ آلَافٍ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: خَمْسَةُ آلَافٍ.
وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي الْأَخْبَارِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلْ يَوْمَ حُنَيْنٍ.
وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ يوم حنين قال: لَمَّا كَشَفْنَا الْمُسْلِمِينَ جَعَلْنَا نَسُوقُهُمْ، فَلَمَّا