للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى مَا فَرَضَهُ عُمَرُ: أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ، وَفَرَضَ عُمَرُ ضِيَافَةً وَأَرْزَاقًا وَكُسْوَةً. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ ضَرَائِبُ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَظُنُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ فِي عُسْرِهِمْ وَيُسْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ:

عَلَى كُلِّ رَأْسٍ دِينَارٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الْفَقِيرِ الْمُكْتَسِبِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ فِي الْمَعْنَى ضِعْفُهَا، وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُ الضِّعْفِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا يُؤْخَذُ عِنْدَهُ مِنْ فَقِيرٍ لَا كَسْبَ لَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْفَتْرَةِ. وَأَمَّا الصُّلْحُ فَهُوَ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلُ كُلِّ سَنَةٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ آخِرُ السَّنَةِ.

وَسُمِّيَتْ جِزْيَةً من جزى يجزي إذا كَافَأَ عَمَّا أُسْدِيَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ أَعْطَوْهَا جَزَاءَ مَا مُنِحُوا مِنَ الْأَمْنِ، وَهِيَ كَالْعِقْدَةِ وَالْجِلْسَةِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ:

نَجْزِيكَ أَوْ نُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى

وَقِيلَ: لِأَنَّهَا طَائِفَةٌ مِمَّا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَجْزُوهُ أَيْ يَقْضُوهُ عَنْ يَدٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

يُعْطُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ وَلَا يُرْسِلُونَ بِهَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: يُعْطُونَهَا نَقْدًا لَا نَسِيئَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُعْطُونَهَا وَأَيْدِيهِمْ تَحْتَ يَدِ الْآخِذِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُسْتَعْلًى عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: عَنِ اعْتِرَافٍ. وَقِيلَ: عَنْ قُوَّةٍ مِنْكُمْ وَقَهْرٍ وَذُلٍّ وَنَفَاذِ أَمْرٍ فِيهِمْ، كَمَا تَقُولُ: الْيَدُ فِي هَذَا لِفُلَانٍ أَيِ الْأَمْرُ لَهُ. وَقِيلَ: عَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ قَبُولَهَا مِنْهُمْ عِوَضًا عَنْ أَرْوَاحِهِمْ إِنْعَامٌ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ لَهُ: عَلَيَّ يَدٌ أَيْ: نِعْمَةٌ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: يُقَالُ أَعْطَاهُ عَنْ يَدٍ وَعَنْ ظَهْرِ يَدٍ، إِذَا أعطاه مبتدئا غير مكافىء.

وَقِيلَ: عَنْ يَدٍ عَنْ جَمَاعَةٍ أَيْ: لَا يُعْفَى عَنْ ذِي فَضْلٍ مِنْهُمْ لِفَضْلِهِ. وَالْيَدُ جَمَاعَةُ الْقَوْمِ، يُقَالُ الْقَوْمُ عَلَى يَدٍ وَاحِدَةٍ أَيْ: هُمْ مُجْتَمِعُونَ. وَقِيلَ: عَنْ يَدٍ أَيْ عَنْ غِنًى، وَقُدْرَةٍ فَلَا تُؤْخَذُ مِنَ الْفَقِيرِ. وَلَخَّصَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِمَّا أَنْ يُرِيدَ يَدَ الْآخِذِ فَمَعْنَاهُ حَتَّى يَعْلُوهَا عَنْ يَدٍ قَاهِرَةٍ مُسْتَوْلِيَةٍ وَعَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَتَرْكَ أَرْوَاحِهِمْ لَهُمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْهِمْ. وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُعْطِي فَالْمَعْنَى عَنْ يَدٍ مُوَاتِيَةٍ غَيْرِ مُمْتَنِعَةٍ، لِأَنَّ مَنْ أَبَى وَامْتَنَعَ لَمْ يُعْطِ يَدَهُ بِخِلَافِ الْمُطِيعِ الْمُنْقَادِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: أَعْطَى بِيَدِهِ إِذَا انْقَادَ وَاحْتَجَبَ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: نَزَعَ يَدَهُ عَنِ الطَّاعَةِ، أَوْ عَنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ أَيْ نَقْدًا غَيْرَ نسيئة، أولا مَبْعُوثًا عَلَى يَدِ آخَرَ وَلَكِنْ عَنْ يَدِ الْمُعْطِي الْبَرِيدِ الْآخِذِ. وَهُمْ صَاغِرُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ: ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ.

وَذَكَرُوا كَيْفِيَّاتٍ فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ وَفِي صَغَارِهِمْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِتَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْهَا الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَمْشُونَ بِهَا مُلَبَّبِينَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْفَارِسِيُّ: لَا يُحْمَدُونَ عَلَى إِعْطَائِهِمْ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>