جَاءَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْهَاءَ تَكُونُ لِمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ تُعَامَلُ فِي الضَّمِيرِ مُعَامَلَةَ الْوَاحِدَةِ الْمُؤَنَّثَةِ فَتَقُولُ: الْجُذُوعُ انْكَسَرَتْ، وَأَنَّ النُّونَ وَالْهَاءَ وَالنُّونَ لِلْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا إِلَى الثَّلَاثَةِ تَقُولُ: الْأَجْذَاعُ انْكَسَرْنَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ يُعْكَسُ قَلِيلًا فَتَقُولُ: الْجُذُوعُ انْكَسَرْنَ، وَالْأَجْذَاعُ انْكَسَرَتْ، وَالظُّلْمُ بِالْمَعَاصِي أَوْ بِالنَّسِيءِ فِي تَحْلِيلِ شَهْرٍ مُحَرَّمٍ وَتَحْرِيمِ شَهْرٍ حَلَّالٍ، أَوْ بِالْبُدَاءَةِ بِالْقِتَالِ، أَوْ بِتَرْكِ الْمَحَارِمِ لِعَدَدِكُمْ أَقْوَالٌ.
وَانْتَصَبَ كَافَّةً عَلَى الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا. وَلَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَلَا تَدْخُلُهُ أَلْ، وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَالِ. وَتَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي قَوْلِهِ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً «١» فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَالْمَعِيَّةُ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، وَفِي ضِمْنِهِ الْأَمْرُ بِالتَّقْوَى وَالْحَثُّ عَلَيْهَا.
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ: يُقَالُ: نَسَأَهُ وَأَنْسَأَهُ إِذَا أَخَّرَهُ، حَكَاهُ الْكِسَائِيُّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ:
النَّسِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنْ نَسَأْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ مَنْسُوءٌ إِذَا أَخَّرْتُهُ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى نَسِيءٍ كَمَا حُوِّلَ مَقْتُولٌ إِلَى قَتِيلٍ. ورجل ناسىء، وَقَوْمٌ نَسَأَةٌ، مِثْلُ فَاسِقٍ وَفَسَقَةٍ انْتَهَى. وَقِيلَ: النَّسِيءُ مَصْدَرٌ مِنْ أَنْسَأَ، كَالنَّذِيرِ مِنْ أَنْذَرَ، وَالنَّكِيرُ مِنْ أَنْكَرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ:
النَّسِيءُ تَأْخِيرُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: النَّسِيءُ بِالْهَمْزِ مَعْنَاهُ الزِّيَادَةُ انْتَهَى. فَإِذَا قُلْتَ: أَنْسَأَ الله اللَّهُ أَجَلَهُ بِمَعْنَى أَخَّرَ، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَجَلِ، فَلَيْسَ النَّسِيءُ مُرَادِفًا لِلزِّيَادَةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُنْفَرِدًا عَنْهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. وَإِذَا كَانَ النَّسِيءُ مَصْدَرًا كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِمَصْدَرٍ وَاضِحًا، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ إِمَّا فِي النَّسِيءِ أَيْ: إِنْ نَسَأَ النَّسِيءُ، أَوْ فِي زِيَادَةٍ أَيْ: ذُو زِيَادَةٍ. وَبِتَقْدِيرِ هَذَا الْإِضْمَارِ يَرِدُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَى قَوْلُهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى: إِنَّمَا الْمُؤَخَّرُ زِيَادَةٌ، وَالْمُؤَخَّرُ الشَّهْرُ، وَلَا يَكُونُ الشَّهْرُ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: النسيء مهموز عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَحُمَيْدٌ وَأَبُو جَعْفَرَ وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ وَالْحَلْوَانِيُّ: النَّسِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ بِإِبْدَالِهَا يَاءً، وَأَدْغَمَ الْيَاءَ فِيهَا، كَمَا فَعَلُوا فِي نَبِيءٍ وَخَطِيئَةٍ فَقَالُوا: نَبِيٌّ وَخَطِّيَّةٌ بِالْإِبْدَالِ وَالْإِدْغَامِ. وَفِي كِتَابِ اللَّوَامِحِ قَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالزُّهْرِيُّ.
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٠٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute