للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرِينَ: الْوَقَارُ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الطُّمَأْنِينَةُ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ. وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَوْ عَلَى الرَّسُولِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ، أَوْ عَلَيْهِمَا. وَأَفْرَدَهُ لِتَلَازُمِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُصْحَفِ حَفْصَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِمَا وَأَيَّدَهُمَا. وَالْجُنُودُ:

الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْأَحْزَابِ، وَحُنَيْنٍ. وَقِيلَ: ذَلِكَ الْوَقْتُ يُلْقُونَ الْبِشَارَةَ فِي قَلْبِهِ، وَيَصْرِفُونَ وُجُوهَ الْكُفَّارِ عَنْهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كَانَ ثَابِتَ الْجَأْشِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. وَأَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَأَيَّدَهُ عَائِدٌ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَ: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ «١» يَعْنِي الرَّسُولَ، وَتُسَبِّحُوهُ:

يَعْنِي اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالسَّكِينَةُ عِنْدِي إِنَّمَا هِيَ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ مِنَ الْحِيَاطَةِ لَهُمْ، وَالْخَصَائِصِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُمْ كَقَوْلِهِ: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ «٢» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ مَا صَنَعَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ إِلَى وَقْتِ تَبُوكَ مِنَ الظُّهُورِ وَالْفُتُوحِ، لَا أَنْ يَكُونَ هَذَا يَخْتَصُّ بِقِصَّةِ الْغَارِ. وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا هِيَ الشِّرْكُ، وَهِيَ مَقْهُورَةٌ. وَكَلِمَةُ اللَّهِ: هِيَ التَّوْحِيدُ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَلَّمَهُ الْكَافِرِينَ مَا قَرَّرُوا بَيْنَهُمْ مِنَ الْكَيْدِ بِهِ لِيَقْتُلُوهُ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ: أَنَّهُ نَاصِرُهُ.

وَقِيلَ: كَلِمَةُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَلِمَةُ الْكُفَّارِ قَوْلُهُمْ فِي الْحَرْبِ: يَا لِبَنِي فُلَانٍ، وَيَا لِفُلَانٍ.

وَقِيلَ: كَلِمَةُ اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي «٣» وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا قَوْلُهُمْ فِي الْحَرْبِ: اعْلُ هُبَلَ، يَعْنُونَ صَنَمَهُمُ الْأَكْبَرَ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَأَيَدَهُ وَالْجُمْهُورُ وَأَيَّدَهُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. وقرىء: وَكَلِمَةُ اللَّهِ بِالنَّصْبِ أَيْ: وَجَعَلَ. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالرَّفْعِ أَثْبَتُ فِي الْإِخْبَارِ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَأَيْتُ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: وَجَعَلَ كَلِمَتَهُ هِيَ الْعَلْيَاءَ، وَنَاسَبَ الْوَصْفُ بِالْعِزَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَالْحِكْمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا يَصْنَعُ مَعَ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَمَنْ عَادَاهُمْ مِنْ إِعْزَازِ دِينِهِ وَإِخْمَادِ الْكُفْرِ.

انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ: لَمَّا تَوَعَّدَ تَعَالَى مَنْ لَا يَنْفِرُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرَبَ لَهُ مِنَ الْأَمْثَالِ مَا ضَرَبَ، أَتْبَعَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْجَزْمَ. وَالْمَعْنَى: انْفِرُوا عَلَى الْوَصْفِ الذي يحف عَلَيْكُمْ فِيهِ الْجِهَادُ، أَوْ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي يَثْقُلُ. وَالْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِمَنْ يُمْكِنُهُ السَّفَرُ بِسُهُولَةٍ،


(١) سورة الفتح: ٤٨/ ٩.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٨.
(٣) سورة المجادلة: ٥٨/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>