وَرَسُولُهُ كَذَلِكَ. إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ كَمَا يَزْعُمُونَ، فَأَحَقُّ مَنْ يُرْضُونَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّاعَةِ وَالْوِفَاقِ.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ أَيْ أَلَمْ يَعْلَمِ الْمُنَافِقُونَ؟ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالْإِنْكَارُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ: بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْتِفَاتٌ، فَهُوَ خِطَابٌ لِلْمُنَافِقِينَ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرَ. وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلرَّسُولِ فَهُوَ خِطَابُ تَعْظِيمٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِيهِ لِلتَّعَجُّبِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا تَعْجَبَ مِنْ جَهْلِهِمْ فِي مُحَادَّةِ اللَّهِ تَعَالَى: وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ أَلَمْ يَعْلَمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَلَى خِطَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلسَّامِعِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَلَمْ تَعْلَمْ، الْخِطَابُ لِمَنْ حَاوَلَ تَعْلِيمَ إِنْسَانٍ شَيْئًا مُدَّةً وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ التَّعْلِيمِ فَلَمْ يَعْلَمْ فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ بَعْدَ الْمَبَاحِثِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُدَّةِ الْمَدِيدَةِ، وَحَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَالَ مُكْثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، وَكَثُرَ مِنْهُ التَّحْذِيرُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالتَّرْغِيبُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُحَادَّةُ الْمُخَالَفَةُ، حَادَدْتُهُ خَالَفْتُهُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْحَدِّ أَيْ كَانَ عَلَى حَدٍّ غَيْرِ حَادَّةٍ كَقَوْلِكَ: شَاقَّهُ، كَانَ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّهِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ:
الْمُحَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحَدِيدِ، حَدِيدِ السِّلَاحِ. وَالْمُحَادَّةُ هُنَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُخَالَفَةُ.
وَقِيلَ: الْمُحَارَبَةُ. وَقِيلَ: الْمُعَانَدَةُ. وَقِيلَ: الْمُعَادَاةُ. وَقِيلَ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْمُخَالَفَةِ.
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَأَنَّ لَهُ بِالْفَتْحِ، وَالْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ. فَتَقْتَضِي جُمْلَةً وإنّ لَهُ مُفْرَدٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُقَدَّمًا نَكِرَةً أَيْ:
فَحُقَّ أَنْ يَكُونَ وَقَدَّرَهُ غَيْرُهُ: مُتَأَخِّرًا أَيْ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ وَاجِبٌ، قَالَهُ: الْأَخْفَشُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَنَّ لَا يُبْتَدَأُ بِهَا مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْخَبَرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورِ. وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ وَأَبُو حَاتِمٍ الِابْتِدَاءَ بِهَا مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْخَبَرِ، فَالْأَخْفَشُ خَرَجَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ. أَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: فَالْوَاجِبُ أَنَّ لَهُ النَّارَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ:
وَقَالَ الْجَرْمِيُّ وَالْمُبَرَّدُ: أَنَّ الثَّانِيَةُ مُكَرَّرَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، كَأَنَّ التَّقْدِيرَ: فَلَهُ نَارُ جَهَنَّمَ، وَكَرَّرَ أَنَّ تَوْكِيدًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَأَنَّ لَهُ مَعْطُوفًا عَلَى أَنَّهُ، عَلَى أَنَّ جَوَابَ مَنْ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَهْلَكْ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ انْتَهَى، فَيَكُونُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَهَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا حُذِفَ الْجَوَابُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَاضِيًا فِي اللَّفْظِ، أو مضارعا مجزوما بلم، فَمِنْ كَلَامِهِمْ: أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ، وَلَا يَجُوزُ إِنْ تَفْعَلْ، وَهُنَا حُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute