للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَرَّةٍ نَكِرَةٌ وُضِعَتْ مَوْضِعَ الْمَرَّاتِ لِلتَّفْضِيلِ، فَلِمَ ذُكِرَ اسْمُ التَّفْضِيلِ الْمُضَافُ إِلَيْهَا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرَّاتِ؟ (قُلْتُ) : أَكْثَرُ اللُّغَتَيْنِ هِنْدُ.

أَكْبَرُ النِّسَاءِ، وَهِيَ أَكْبَرُهُنَّ. ثُمَّ إِنَّ قَوْلَكَ هِيَ كُبْرَى امْرَأَةٍ لَا تَكَادُ تَعْثُرُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ هِيَ أَكْبَرُ امْرَأَةٍ، وَأَوَّلُ مَرَّةٍ، وَآخِرُ مَرَّةٍ انْتَهَى. فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ أَيْ: أَقِيمُوا، وَلَيْسَ أَمْرًا بِالْقُعُودِ الَّذِي هُوَ نَظِيرَ الْجُلُوسِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْعُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْخَالِفُ الَّذِي خَلَفَ بَعْدَ خَارِجٍ فَقَعَدَ فِي رَحْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَخَلَّفُ عَنِ الْقَوْمِ. وَقِيلَ: الْخَالِفِينَ الْمُخَالِفِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَبْدٌ خَالِفٌ أَيْ: مُخَالِفٌ لِمَوْلَاهُ. وَقِيلَ: الْأَخِسَّاءُ الْأَدْنِيَاءُ مِنْ قَوْلِهِمْ:

فُلَانٌ خَالِفَةُ قَوْمِهِ لِأَخَسِّهِمْ وَأَرْذَلِهِمْ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَوَقِّي صُحْبَةِ مَنْ يَظْهَرُ مِنْهُ مَكْرٌ وَخِدَاعٌ وَكَيْدٌ، وَقَطْعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا، وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْخَالِفُونَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ وَأَهْلِ عُذْرٍ. غُلِّبَ الْمُذَكَّرُ، فَجُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ وَهُوَ جَمْعُ خَالِفٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْخَالِفُونَ النِّسَاءُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الرِّجَالُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ أَنْ يُرِيدَ الْفَاسِدِينَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ خَلَفَ الشَّيْءُ إِذَا فَسَدَ، وَمِنْهُ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ. وَقَرَأَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وعكرمة: مع الخلفين، وَهُوَ مَقْصُورٌ مِنْ الْخَالِفِينَ كَمَا قَالَ:

عِدَدًا وَبِدَدًا يُرِيدُ عَادِدًا وَبَادِدًا، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:

مِثْلُ النَّقَى لَبَّدَهُ ضَرْبُ الظُّلَلْ يُرِيدُ الظِّلَالَ.

وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ: النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ إِذَا مَاتُوا عُقُوبَةٌ ثَانِيَةٌ وَخِزْيٌ مُتَأَبَّدٌ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ فِيمَا

رُوِيَ يُصَلِّي عَلَى الْمُنَافِقِينَ إِذَا مَاتُوا، وَيَقُومُ عَلَى قُبُورِهِمْ بِسَبَبِ مَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَفَّظُونَ بِكَلِمَتِيِ الشَّهَادَةِ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى وَقَعَتْ وَاقِعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ.

وَطَوَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قِصَّتِهِ،

فَتَظَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَجَذَبَهُ بِثَوْبِهِ وَتَلَا عَلَيْهِ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا، فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ.

وَذَكَرُوا مُحَاوَرَةَ عُمَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ ليصلي عليه. ومات صفة لا حد،

<<  <  ج: ص:  >  >>