للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَحْمِلَهُمْ بِالزَّادِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: بِالْبِغَالِ.

وَرَوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى قَالُوا:

يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ نَدَبْتَنَا إِلَى الْخُرُوجِ مَعَكَ، فَاحْمِلْنَا عَلَى الْخِفَافِ الْمَرْقُوعَةِ وَالنِّعَالِ الْمَخْصُوفَةِ نَغْزُ مَعَكَ فَقَالَ: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فَتَوَلَّوْا وَهُمْ يَبْكُونَ.

وَقَرَأَ مَعْقِلُ بْنُ هَارُونَ: لِنَحْمِلَهُمْ بنون الجماعة، وإذا تَقْتَضِي جَوَابًا. وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا وهو قلب، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: تَوَلَّوْا جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَا كَانَ حَالُهُمْ إِذْ أَجَابَهُمُ الرَّسُولُ؟ قِيلَ: تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ. وَقِيلَ: جَوَابُ إذا تولوا، وقلب جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكَافِ، أَيْ: إِذَا مَا أَتَوْكَ قَائِلًا لَا أَجِدُ، وَقَدْ قَبْلَهُ مُقَدَّرٌ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. أَوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ العطف أَيْ: وَقُلْتَ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَقَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةِ وَقَدَّرَهُ: فَقُلْتَ بِالْفَاءِ وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: قُلْتَ لَا أَجِدُ اسْتِئْنَافًا مِثْلَهُ يَعْنِي: مِثْلَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ؟ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ تَوَلَّوْا، فَقِيلَ: مَا لَهُمْ تَوَلَّوْا بَاكِينَ؟ قُلْتُ: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَالِاعْتِرَاضِ (قُلْتُ) : نَعَمْ، وَيَحْسُنُ انْتَهَى. وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَحْسُنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَكَيْفَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَهُوَ فَهْمٌ أَعْجَمِيٌّ؟ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَحْوِ وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ فِي أَوَائِلِ حِزْبِ لَتَجِدَنَّ «١» مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُنَا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ كَقَوْلِكَ:

تَفِيضُ دَمْعًا، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ يَفِيضُ دَمْعُهَا، لِأَنَّ الْعَيْنَ جُعِلَتْ كَأَنَّ كلها دمع فائض. ومن لِلْبَيَانِ كَقَوْلِكَ: أَفْدِيكَ مِنْ رَجُلٍ، وَمَحَلُّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ انْتَهَى.

وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ الَّذِي أَصْلُهُ فَاعِلٌ لا يجوز جره بمن، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ الَّذِينَ يُجِيزُونَ مَجِيءَ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً. وَانْتَصَبَ حَزَنًا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ تَفِيضُ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وأن لا يَجِدُوا مَفْعُولٌ لَهُ أَيْضًا، وَالنَّاصِبُ لَهُ حَزَنًا، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَيَجُوزُ أَنْ يتعلق بتفيض انْتَهَى. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى إِعْرَابِهِ حَزَنًا مَفْعُولًا لَهُ وَالْعَامِلُ فِيهِ تَفِيضُ، لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَقْضِ اثْنَيْنِ مِنَ الْمَفْعُولِ لَهُ إِلَّا بِالْعَطْفِ أَوِ الْبَدَلِ. وقوله: أن لا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُنْدَرِجُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ:

وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا ينفقون حرج.


(١) سورة المائدة: ٥/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>