مَاتُوا، أَقْوَالٌ. وَمَعْنَى سَكَنٌ: طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ، أَنَّ اللَّهَ قَبِلَ صَدَقَتَهُمْ قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ. أَوْ رَحْمَةٌ لَهُمْ قَالَهُ أَيْضًا، أَوْ قُرْبَةٌ قَالَهُ أَيْضًا، أَوْ زِيَادَةُ وَقَارٍ لَهُمْ قَالَهُ: قَتَادَةُ، أَوْ تَثْبِيتٌ لِقُلُوبِهِمْ قَالَهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ، أَوْ أَمْنٌ لَهُمْ. قَالَ:
يَا جَارَةَ الْحَيِّ إِنْ لَا كُنْتِ لِي سَكَنًا ... إِذْ لَيْسَ بَعْضٌ مِنَ الْجِيرَانِ أَسْكَنَنِي
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: إنما كانت صلاته سَكَنًا لَهُمْ لِأَنَّ رُوحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ رُوحًا قَوِيَّةً مُشْرِقَةً صَافِيَةً، فَإِذَا دَعَا لَهُمْ وَذَكَرَهُمْ بِالْخَيْرِ ثَارَتْ آثَارٌ مِنْ قُوَّتِهِ الرُّوحَانِيَّةِ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ فَأَشْرَقَتْ بِهَذَا السَّبَبِ أَرْوَاحُهُمْ، وَصَفَتْ سَرَائِرُهُمْ، وَانْقَلَبُوا مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى النُّورِ، وَمِنَ الْجُسْمَانِيَّةِ إِلَى الرُّوحَانِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بْنُ سُلَيْمَانَ عُرِفَ بِابْنِ النَّقِيبِ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ: كَلَامُ الرَّازِيُّ كَلَامٌ فَلْسَفِيٌّ يُشِيرُ فِيهِ إِلَى أَنَّ قُوَى الْأَنْفُسِ مُؤَثِّرَةٌ فَعَّالَةٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: فِي هَؤُلَاءِ الْمُعْتَرِفِينَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمُ الصَّدَقَةَ هُمْ سِوَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.
وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَحَفْصٌ: إِنَّ صَلَاتَكَ هُنَا، وَفِي هُودٍ صَلَاتَكَ بِالتَّوْحِيدِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْجَمْعِ. وَاللَّهُ سَمِيعٌ بِاعْتِرَافِهِمْ، عَلِيمٌ بِنَدَامَتِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ: قَالَ الَّذِينَ لَمْ يَتُوبُوا مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ: هَؤُلَاءِ كَانُوا بِالْأَمْسِ مَعَنَا لَا يُكَلَّمُونَ وَلَا يُجَالَسُونَ، فَنَزَلَتْ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَقِرَاءَةُ الْحَسَنِ بِخِلَافٍ عَنْهُ: أَلَمْ تَعْلَمُوا بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْمُتَخَلِّفِينَ الَّذِينَ قَالُوا: مَا هَذِهِ الْخَاصَّةُ الَّتِي يُخَصُّ بِهَا هَؤُلَاءِ؟ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، وَأَنْ يَكُونَ خِطَابًا عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ مِنْ غَيْرِ إِضْمَارٍ لِلْقَوْلِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ التَّائِبِينَ كَقِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِالْيَاءِ. وَهُوَ تَخْصِيصٌ وَتَأْكِيدٌ أَنَّ اللَّهَ مِنْ شَأْنِهِ قَبُولُ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَمَا عَلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُتَابَ عَلَيْهِمْ وَتُقْبَلَ صَدَقَاتُهُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ الصَّحِيحَةَ، وَيَقْبَلُ الصَّدَقَاتِ الْخَالِصَةَ النِّيَّةِ لِلَّهِ؟
وقيل: وجه التخصيص بهو، هُوَ أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ وَأَخْذَ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، فَاقْصِدُوهُ وَوَجِّهُوهَا إِلَيْهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَأَخْذُ الصَّدَقَاتِ مَعْنَاهُ قَبُولُهَا، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَنَّى فِيهَا عَنِ الْقَبُولِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ قَدْرَ اللُّقْمَةِ، فَيَأْخُذُهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى يَأْمُرُ بِهَا وَيَشْرَعُهَا كَمَا تَقُولُ: أَخَذَ السُّلْطَانُ مِنَ النَّاسِ كَذَا إِذَا حملهم على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute