للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهَ اشْتَرى

«١» الْآيَةَ وَقَالَ: لِأَحْمِلَنَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأُقَاتِلُ حَتَّى أُقْتَلَ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَيْلَكَ أَيْنَ الشَّرْطُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْآيَةَ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ حَرَجٌ وَتَضْيِيقٌ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَرَتَّبَ إِعْرَابُ التَّائِبُونَ، فَقِيلَ: هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَذْكُورٌ وَهُوَ الْعَابِدُونَ، وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ: التَّائِبُونَ فِي الْحَقِيقَةِ الْجَامِعُونَ لِهَذِهِ الْخِصَالِ. وَقِيلَ: خَبَرُهُ الْآمِرُونَ.

وَقِيلَ: خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ تَمَامِ الْأَوْصَافِ، وَتَقْدِيرُهُ: مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَالَهُ الزَّجَّاجُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى «٢» وَلِذَلِكَ جَاءَ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ «٣» وَعَلَى هَذِهِ الْأَعَارِيبِ تَكُونُ الْآيَةُ مَعْنَاهَا مُنْفَصِلٌ مِنْ مَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيلَ: التَّائِبُونَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُمُ التَّائِبُونَ، أَيْ الَّذِينَ بَايَعُوا اللَّهَ هُمْ التَّائِبُونَ، فَيَكُونُ صِفَةً مَقْطُوعَةً لِلْمَدْحِ، وَيُؤَيِّدُهُ قراءة أبي وعبد الله وَالْأَعْمَشِ: التَّايِبِينَ بِالْيَاءِ إِلَى وَالْحَافِظِينَ نَصْبًا عَلَى الْمَدْحِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَهُ أَيْضًا: ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقِيلَ:

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّائِبُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُقَاتِلُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّائِبُونَ مِنَ الشِّرْكِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ. وَقِيلَ: عَنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْعَابِدُونَ بِالصَّلَاةِ. وَعَنْهُ أَيْضًا الْمُطِيعُونَ بِالْعِبَادَةِ، وَعَنِ الْحَسَنِ: هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. وَعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: الْمُوَحِّدُونَ السَّائِحُونَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عباس وَغَيْرُهُمَا:

الصَّائِمُونَ شُبِّهُوا بِالسَّائِحِينَ في الأرض، لا متناعهم مِنْ شَهَوَاتِهِمْ.

وَعَنْ عَائِشَةَ: سِيَاحَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصِّيَامُ، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قِيلَ: لِلصَّائِمِ سَائِحٌ، لِأَنَّ الَّذِي يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ مُتَعَبِّدٌ لَا زَادَ مَعَهُ، كَانَ مُمْسِكًا عَنِ الْأَكْلِ، وَالصَّائِمُ مُمْسِكٌ عَنِ الْأَكْلِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: السَّائِحُونَ الْمُجَاهِدُونَ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السِّيَاحَةِ فَقَالَ: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ. فَقِيلَ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: الْمُسَافِرُونَ لِطَلَبِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ. وَقِيلَ: الْمُسَافِرُونَ فِي الْأَرْضِ لِيَنْظُرُوا مَا فِيهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَغَرَائِبِ مُلْكِهِ نَظَرَ اعْتِبَارٍ. وَقِيلَ: الْجَائِلُونَ بِأَفْكَارِهِمْ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَمَلَكُوتِهِ. وَالصِّفَاتُ إِذَا تَكَرَّرَتْ وَكَانَتْ لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ أَوِ التَّرَحُّمِ جَازَ فِيهَا الْإِتْبَاعُ لِلْمَنْعُوتِ وَالْقَطْعُ فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَإِذَا تَبَايَنَ مَا بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ جَازَ الْعَطْفُ. وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ مُبَايِنًا لِلنَّهْيِ، إِذِ الْأَمْرُ طَلَبُ فِعْلٍ وَالنَّهْيُ تَرْكُ فِعْلٍ، حَسُنَ الْعَطْفُ فِي قوله: والناهون ودعوى


(١) سورة التوبة: ٩/ ١١١.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٩٥.
(٣) سورة التوبة: ٩/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>