تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَمَصْدَرِيَّةً أَيْ: شُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ يُشْرِكُونَهُمْ بِهِ، أَوْ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ. وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ وَالْحَرَمِيَّانِ وَعَاصِمٌ: يُشْرِكُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ هُنَا، وَفِي حَرْفَيِ النَّحْلِ، وَحَرْفٍ فِي الرُّومِ. وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ وَطِلْحَةُ وَالْأَعْمَشُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، فِي النَّمْلِ فَقَطْ بِالْيَاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَعَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ. وَقَرَأَ حمزة والكسائي الخمسة بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَأَتَى بِالْمُضَارِعِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ مَا أَشْرَكُوا لِلدَّلَالَةِ عَلَى استمرار حالهم، كما جاؤوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي.
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الدَّلَالَةَ عَلَى فَسَادِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، ذَكَرَ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ الْحَادِثُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ النَّاسِ. ويتصور في آدم وبينه إِلَى أَنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ قَتْلِ أَحَدِ ابْنَيْهِ الْآخَرَ، وَقَالَهُ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْمُرَادُ أَصْحَابُ سَفِينَةِ نُوحٍ، اتَّفَقُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ وَدِينِ الْإِسْلَامِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَى زَمَانِ إِبْرَاهِيمَ وَرُدَّ بِأَنَّهُ عُبِدَ فِي زَمَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَصْنَامُ كَوَدٍّ، وَسُوَاعٍ. وَحَكَى ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ أَنَّ النَّاسَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ غَيَّرَ الدِّينَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الَّذِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ يَوْمَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ «١» لَمْ يَكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَقَالَ الْأَصَمُّ: هُمُ الْأَطْفَالُ الْمَوْلُودُونَ كَانُوا عَلَى الْفِطْرَةِ فَاخْتَلَفُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هَنَا آدَمُ وَحْدَهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْأُمَّةِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ الْخَيْرِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ هِيَ عَلَى أَنَّ المراد بأمة وَاحِدَةً فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. وَقِيلَ: فِي الشِّرْكِ. وَأُرِيدَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى الْكُفْرِ، فَآمَنَ بَعْضُهُمْ، وَاسْتَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ. أَوْ مَنْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، حَتَّى بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بَعْضُهُمْ، أَوِ الْعَرَبُ خَاصَّةً، أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا لِلزَّجَّاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ جَاءَ عَقِيبَ إِبْطَالِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَوِّيَ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ. فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ، إِنَّمَا الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَحْصُلَ النُّفْرَةُ مِنِ اتِّبَاعِ غَيْرِ مَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ، هُوَ وَعِيدٌ، فَصَرْفُهُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ
(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute