للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَائِبًا عَلَى اسْمٍ غَائِبٍ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ. وَالْبَاءُ فِي بهم وبريح قَالَ الْعُكْبُرِيُّ: تَتَعَلَّقُ الْبَاءَانِ بجرين انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبَاءَ فِي بِهِمْ مُتَعَلِّقَةٌ بجرين تَعَلُّقَهَا بِالْمَفْعُولِ نَحْوُ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ. وَأَنَّ الْبَاءَ فِي بِرِيحٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُسَبِّبِ، فَاخْتَلَفَ الْمَدْلُولُ فِي الْبَاءَيْنِ، فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلْحَالِ أَيْ: وَجَرَيْنَ بِهِمْ مُلْتَبِسَةً بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ كَمَا تَقُولُ: جَاءَ زَيْدٌ بِثِيَابِهِ أي ملتبسا بها. وفرحوا بِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَجَرَيْنَ بِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْ: وَقَدْ فَرِحُوا بِهَا. كَمَا احْتَمَلَ قَوْلُهُ: وَجَرَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى كُنْتُمْ، وَأَنْ يَكُونَ حالا أي: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ، هُوَ جَوَابُ إِذَا. وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي جَاءَتْهَا عَلَى الْفُلْكِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَجَرَيْنَ بِهِمْ، وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَجَوَّزُوا أَنْ يَعُودَ عَلَى الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَبَدَأَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَمَعْنَى طِيبِ الرِّيحِ لِينُ هُبُوبِهَا وَكَوْنِهَا مُوَافِقَةً.

وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: جَاءَتْهُمْ، وَمَعْنَى مِنْ كُلِّ مَكَانٍ مِنْ أَمْكِنَةِ الْمَوْجِ. وَالظَّنُّ هُنَا عَلَى بَابِهِ الْأَصْلِيِّ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهَا التَّيَقُّنُ، وَمَعْنَى أُحِيطَ بِهِمْ أَيْ لِلْهَلَاكِ، كَمَا يُحِيطُ الْعَدُوُّ بِمَنْ يُرِيدُ إِهْلَاكَهُ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِيلَاءِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: حِيطَ بِهِمْ ثُلَاثِيًّا وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: دَعَوُا اللَّهَ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: هِيَ جَوَابُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ تَقْدِيرُهُ: لَمَّا ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: جَوَابُ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ، وَجَوَابُ قَوْلِهِ: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَظَنُّوا ظَاهِرُهُ الْعَطْفُ على جواب إذا، لا أنه مَعْطُوفٌ عَلَى كُنْتُمْ، لَكِنَّهُ مُحْتَمِلٌ. كَمَا تَقُولُ: إِذَا زَارَكَ فُلَانٌ فَأَكْرِمْهُ، وَجَاءَكَ خَالِدٌ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ مَذْكُورَةٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ ظَنُّوا لِادِّعَائِهِمْ مِنْ لَوَازِمِ ظَنِّهِمُ الْهَلَاكَ، فَهُوَ مُلْتَبِسٌ بِهِ انْتَهَى. وَكَانَ أُسْتَاذُنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُخَرِّجُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرُوا وَيَقُولُ: هُوَ جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَا كَانَ حَالُهُمْ إِذْ ذَاكَ؟ فَقِيلَ: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ انْتَهَى. وَمَعْنَى الْإِخْلَاصِ إِفْرَادُهُ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكِ أَصْنَامٍ وَلَا غَيْرِهَا، قَالَ مَعْنَاهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مُخْلِصِينَ لَا إِخْلَاصَ إِيمَانٍ، لَكِنْ لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُنْجِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى الْإِيمَانِ الِاضْطِرَارِيِّ انْتَهَى. وَالِاعْتِرَافُ بِاللَّهِ مَرْكُوزٌ فِي طَبَائِعِ الْعَالَمِ، وَهُمْ مَجْبُولُونَ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَشْيَاءِ، وَلِذَلِكَ إِذَا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ رَجَعُوا إِلَيْهِ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا ثَمَّ قَسَمٌ مَحْذُوفٌ، وَذَلِكَ الْقَسَمُ وَمَا بَعْدَهُ مَحْكِيٌّ بِقَوْلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>