للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْتُمْ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَخْزِيُّونَ أَوْ مُهَانُونَ وَنَحْوُهُ انْتَهَى. فَيَكُونُ مَكَانَكُمْ قَدْ تَمَّ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَذَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِفَكِّ الكلام الظاهر اتصال بَعْضِ أَجْزَائِهِ بِبَعْضٍ، وَلِتَقْدِيرِ إِضْمَارٍ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ: فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ، إِذْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ ثَبَتُوا هُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ حَتَّى وَقَعَ التَّزْيِيلُ بَيْنَهُمْ وَهُوَ التَّفْرِيقُ. وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَنْتُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ اسْمُ الْفِعْلِ. وَلَوْ كَانَ أَنْتُمْ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ حُذِفَ خَبَرُهُ، لَمَا جَازَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ تَقُولُ: كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ بِالرَّفْعِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْضًا: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْتُمْ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الَّذِي فِي الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي هُوَ قِفُوا أَوْ نَحْوُهُ انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، إِذْ لَوْ كَانَ تَأْكِيدًا لِذَلِكَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ بِالْفِعْلِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الظَّرْفِ، إِذِ الظَّرْفُ لَمْ يَتَحَمَّلْ ضَمِيرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لَا تَقُولُ: أَنْتَ مَكَانَكَ، وَلَا يُحْفَظُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَالْأَصَحُّ أَنْ لا يجوز حذف المؤكد فِي التَّأْكِيدِ الْمَعْنَوِيِّ، فَكَذَلِكَ هَذَا، لِأَنَّ التَّأْكِيدَ يُنَافِي الْحَذْفَ. وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ: أَنْتَ زَيْدًا لِمَنْ رَأَيْتَهُ قَدْ شَهَرَ سَيْفًا، وَأَنْتَ تريد اضرب أنت زيد، إِنَّمَا كَلَامُ الْعَرَبِ زَيْدًا تُرِيدُ اضْرِبْ زَيْدًا.

يُقَالُ زِلْتُ الشَّيْءَ عَنْ مَكَانِهِ أُزِيلُهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: زِلْتُ الضَّأْنَ مِنَ الْمَعْزِ فَلَمْ تَزُلْ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: التَّزْيِيلُ وَالتَّزَيُّلُ وَالْمُزَايَلَةُ التَّمْيِيزُ وَالتَّفَرُّقُ انْتَهَى. وَزَيَّلَ مُضَاعَفٌ لِلتَّكْثِيرِ، وَهُوَ لِمُفَارَقَةِ الحبث مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، بِخِلَافِ زَالَ يَزُولُ فَمَادَّتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ. وَزَعَمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ زَيَّلْنَا مِنْ مَادَّةِ زَالَ يَزُولُ، وَتَبِعَهُ أَبُو الْبَقَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: فَزَيَّلْنَا عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ لِأَنَّهُ مِنْ زَالَ يَزُولُ، وَإِنَّمَا قلبت لِأَنَّ وَزْنَ الْكَلِمَةِ فَيْعَلَ أَيْ: زَيْوَلْنَا مِثْلَ بَيْطَرَ وَبَيْقَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْرُوفِ قُلِبَتْ يَاءً انْتَهَى. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ فَعَّلَ أَكْثَرُ مِنْ فَيْعَلَ، وَلِأَنَّ مَصْدَرَهُ تَزْيِيلٌ. وَلَوْ كَانَ فَيْعَلَ لَكَانَ مَصْدَرُهُ فَيْعَلَةً، فَكَانَ يَكُونُ زَيَّلَةً كَبَيْطَرَةٍ، لِأَنَّ فَيْعَلَ مُلْحَقٌ بِفَعْلَلَ، وَلِقَوْلِهِمْ فِي قَرِيبٍ مِنْ مَعْنَاهُ: زَايَلَ، وَلَمْ يَقُولُوا زَاوَلَ بِمَعْنَى فَارَقَ، إِنَّمَا قَالُوهُ بِمَعْنَى حَاوَلَ وَخَالَطَ وَشَرَحَ، فَزَيَّلْنَا فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ وَقَطَعْنَا أَقْرَانَهُمْ، وَالْوُصَلَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، أَوْ فَبَاعَدْنَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ وَبَيْنَ شُرَكَائِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا «١» وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: فَزَايَلْنَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَقَوْلِكَ صَاعَرَ خَدَّهُ، وَصَعَّرَ، وَكَالَمْتُهُ وَكَلَّمْتُهُ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ فَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَزَايَلَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى فَارَقَ. قال:


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>