الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ أَيْ: جَازَاهُمْ مِثْلَ أَفْعَالِهِمْ. وَقِيلَ: إِشَارَةٌ إِلَى الْحَقِّ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
كَذَلِكَ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَقِّ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، أَيْ كَمَا حَقَّ وَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ بَعْدَ الضَّلَالِ، أَوْ كَمَا حَقَّ أَنَّهُمْ مَصْرُوفُونَ عَنِ الْحَقِّ، فَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَذَلِكَ أَيْ كَمَا كَانَتْ صِفَاتُ اللَّهِ كَمَا وَصَفَ، وَعِبَادَتُهُ وَاجِبَةً كَمَا تَقَرَّرَ، وَانْصِرَافُ هَؤُلَاءِ كَمَا قَدَّرَ عَلَيْهِمْ، وَاكْتَسَبُوا كَذَلِكَ حَقَّتْ. وَمَعْنَى فَسَقُوا: تَمَرَّدُوا فِي كُفْرِهِمْ وَخَرَجُوا إِلَى الْحَدِّ الْأَقْصَى فِيهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بَدَلٌ مِنْ كَلِمَةِ رَبِّكَ أَيْ: حَقَّ عَلَيْهِمُ انْتِفَاءُ الْإِيمَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَلِمَةِ عِدَةُ الْعَذَابِ، وَيَكُونُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ تَعْلِيلًا أَيْ: لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَيُوَضِّحُ هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ: إِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْكَسْرِ، وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى أَنَّ فِي الْكُفَّارِ مَنْ حَتَّمَ اللَّهُ بِكُفْرِهِ وَقَضَى بِتَخْلِيدِهِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَالصَّاحِبَانِ: كَلِمَاتُ عَلَى الْجَمْعِ هُنَا وَفِي آخِرِ السُّورَةِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ عَلَى الْإِفْرَادِ.
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ: لَمَّا اسْتَفْهَمَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَرَفُوا بِهَا، ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ صَرْفَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَعِبَادَةِ اللَّهِ، اسْتَفْهَمَ عَنْ شَيْءٍ هُوَ سَبَبُ الْعِبَادَةِ: وَهُوَ إِبْدَاءُ الْخَلْقِ، وَهُمْ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «١» ثُمَّ أَعَادَ الْخَلْقَ وَهُمْ مُنْكِرُونَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى يسلمونه ليعلم أيهما سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَقِيَامِ بُرْهَانِهِ، قُرِنَ بِمَا يُسَلِّمُونَهُ إِذْ لَا يَدْفَعُهُ إِلَّا مُكَابِرٌ، إِذْ هُوَ مِنَ الْوَاضِحَاتِ الَّتِي لَا يَخْتَلِفُ فِي إِمْكَانِهَا الْعُقَلَاءُ. وَجَاءَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ، فَوَجَبَ اعْتِقَادُهُ. وَلَمَّا كَانُوا لِمُكَابَرَتِهِمْ لَا يُقِرُّونَ بِذَلِكَ أَمَرَ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَ فَقَالَ: قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَأَبْرَزَ الْجَوَابَ فِي جُمْلَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مُصَرَّحٍ بِخَبَرِهَا، فَعَادَ الْخَبَرُ فِيهَا مُطَابِقًا لِخَبَرِ اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ تَأْكِيدٌ وَتَثْبِيتٌ. وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِفْهَامُ قَبْلَ هَذَا لَا مَنْدُوحَةَ لَهُمْ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِهِ، جَاءَتِ الْجُمْلَةُ مَحْذُوفًا مِنْهَا أَحَدُ جزءيها فِي قَوْلِهِ: فَسَيَقُولُونَ اللَّهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّأْكِيدِ بِتَصْرِيحِ خَبَرِهَا. وَمَعْنَى تُؤْفَكُونَ تُصْرَفُونَ وَتُقْلَبُونَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ.
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ: لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى عَجْزَ أَصْنَامِهِمْ عَنِ الْإِبْدَاءِ وَالْإِعَادَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْقُدْرَةِ وأعظم دلائل
(١) سورة لقمان: ٣١/ ٢٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute