للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُجِيزُ تَهِدِّي وَنَهِدِّي وَأَهِدِّي قَالَ: لِأَنَّ الْكَسْرَةَ فِي الْيَاءِ تَثْقُلُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ: يَهْدِي مُضَارِعُ هَدَى. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ الْهِدَايَةُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ أَمِ الَّذِي لَا يَهِدِّي، أَيْ لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ أَوْ لَا يَهْدِي غَيْرَهُ، إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ. وَقِيلَ: معناه أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي مِنَ الْأَوْثَانِ إِلَى مَكَانٍ فَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُهْدَى، إِلَّا أَنْ يُنْقَلَ أَوْ لَا يَهْتَدِي، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الِاهْتِدَاءُ إِلَّا بِنَقْلَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِ إِلَى أَنْ يَجْعَلَهُ حَيَوَانًا مُطْلَقًا فَيَهْدِيَهُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ إِنْكَارُ الْمُبَرِّدِ مَا قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ أَنَّ هَدَى بِمَعْنَى اهْتَدَى. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَصَفَ الْأَصْنَامَ بِأَنَّهَا لَا تَهْتَدِي إِلَّا أَنْ تُهْدَى، وَنَحْنُ نَجِدُهَا لَا تَهْتَدِي وَإِنْ هُدِيَتْ. فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَامِلٌ فِي الْعِبَادَةِ عَنْهَا مُعَامَلَتَهُمْ فِي وَصْفِهَا بِأَوْصَافِ مَنْ يَعْقِلُ، وَذَلِكَ مَجَازٌ وَمَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَمْ مَنْ لَا يَهْدِي أَحَدًا إِلَّا أَنْ يُهْدَى ذَلِكَ الْأَحَدُ بِهِدَايَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَيَتَّجِهُ الْمَعْنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَفِيهِ تَجَوُّزٌ كَثِيرٌ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ تَسْبِيحِ الْجَمَادَاتِ هُوَ اهْتِدَاؤُهَا. وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: أم من لا يهدي أَيْ لَا يَهْدِي غَيْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يُهْدَى اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُهْدَى كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَ، أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَسْمَعَ. وَقِيلَ: أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي فِي الرُّؤَسَاءِ الْمُضِلِّينَ انْتَهَى. وَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ فِيهِمْ قَابِلِيَّةُ الْهِدَايَةِ، بِخِلَافِ الْأَصْنَامِ. فَمَا لَكُمْ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ وَالْإِنْكَارُ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي اتِّخَاذِ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ إِذْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ هِدَايَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْدُوا غَيْرَهُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ اسْتِفْهَامٌ آخَرُ أَيْ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِالْبَاطِلِ وَتَجْعَلُونَ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَشُرَكَاءَ؟ وَهَاتَانِ جُمْلَتَانِ أَنْكَرَ فِي الْأُولَى، وَتَعَجَّبَ مِنَ اتِّبَاعِهِمْ مَنْ لَا يَهْدِي وَلَا يَهْتَدِي، وَأَنْكَرَ فِي الثَّانِي حُكْمَهُمْ بِالْبَاطِلِ وَتَسْوِيَةَ الْأَصْنَامِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ:

الظَّاهِرُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى بَابِهِ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَبَصَّرَ فِي الْأَصَنَامِ وَرَفَضَهَا كَمَا قَالَ:

أَرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بِرَأْسِهِ ... لَقَدْ هَانَ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِأَكْثَرِهِمْ جَمِيعُهُمْ، وَالْمَعْنَى: مَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ فِي اللَّهِ وَفِي صِفَاتِهِ إِلَّا ظَنًّا، لَيْسُوا مُتَبَصِّرِينَ وَلَا مُسْتَنِدِينَ إِلَى بُرْهَانٍ، إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ تَلَقَّفُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>