للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانُوا مُهْتَدِينَ إِلَى غَايَةِ مَصَالِحِ التِّجَارَةِ. وَقِيلَ: لِلْإِيمَانِ. وَقِيلَ: فِي عِلْمِ اللَّهِ، بَلْ هُمْ مِمَّنْ حَتَّمَ ضَلَالَهُمْ وَقَضَى بِهِ.

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا يَفْعَلُونَ: إِمَّا هِيَ إِنِ الشَّرْطِيَّةُ زِيدَ عَلَيْهَا مَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَلِأَجْلِهَا جَازَ دُخُولُ النُّونِ الثَّقِيلَةِ. وَلَوْ كَانَتْ إِنْ وَحْدَهَا لَمْ يَجُزِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ دُخُولَ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ زِيَادَةِ مَا بَعْدَ إِنْ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: أَجَازَ سِيبَوَيْهِ الْإِتْيَانَ بِمَا، وَأَنْ لَا يُؤْتَى بِهَا، وَالْإِتْيَانَ بِالنُّونِ مَعَ مَا وَأَنْ لَا يُؤْتَى بِهَا، وَالْإِرَاءَةُ هُنَا بَصَرِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ تَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى اثْنَيْنِ، وَالْكَافُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يَعْنِي: مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْوَاعًا مِنْ عَذَابِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَهْبًا لِلْأَمْوَالِ وَسَبْيًا لِلذَّرَارِي، وَضَرْبَ جِزْيَةٍ، وَتَشْتِيتَ شَمْلٍ بِالْجَلَاءِ إِلَى غَيْرِ بِلَادِهِمْ، وَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ، لِأَنَّهُ الْعَذَابُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ هُوَ قَوْلُهُ: فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ، وَكَذَا قَالَهُ الْحَوْفِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْوَعِيدُ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْ: إِنْ أَرَيْنَاكَ عُقُوبَتَهُمْ أَوْ لَمْ نُرِكَهَا فَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ رَاجِعُونَ إِلَيْنَا إِلَى الْحِسَابِ وَالْعَذَابِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ اللَّهُ شَهِيدٌ مِنْ أَوَّلِ تَكْلِيفِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ. فَثُمَّ هَاهُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ، لَا لِتَرْتِيبِ الْقَصَصِ فِي أَنْفُسِهَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ جَوَابُ نَتَوَفَّيَنَّكَ، وَجَوَابُ نُرِيَنَّكَ مَحْذُوفٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ فَذَاكَ، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قَبْلَ أَنْ نُرِيَكَهُ، فَنَحْنُ نُرِيكَ فِي الْآخِرَةِ انْتَهَى.

فَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْكَلَامَ شَرْطَيْنِ لَهُمَا جَوَابَانِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ جَوَابٍ مَحْذُوفٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ صَالِحٌ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: فَذَاكَ هُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ جَوَابُ شَرْطٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِجُمْلَةٍ يَتَّضِحُ مِنْهَا جَوَابَ الشَّرْطِ، إِذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَذَاكَ الْجُزْءُ الَّذِي حُذِفَ الْمُتَحَصِّلُ بِهِ فَائِدَةُ الْإِسْنَادِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: ثَمَّ اللَّهُ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ: هُنَالِكَ. وَمَعْنَى شَهَادَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ مُقْتَضَاهَا وَنَتِيجَتُهَا وَهُوَ الْعِقَابُ، كَأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ اللَّهُ مُعَاقِبُهُمْ، وَإِلَّا فَهُوَ تَعَالَى شَهِيدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى مُؤَدٍّ شَهَادَتَهُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَنْطِقَ جُلُودُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ شَاهِدَةً عَلَيْهِمْ.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ: لَمَّا بَيَّنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>