للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموال يتعاطونها، فو الله إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَتَنُّورٌ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ قَرَأَ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ»

الْآيَةَ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الصِّفَةِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، أَوْ بِإِضْمَارِ أَمْدَحُ، وَمَرْفُوعًا عَلَى إِضْمَارِهِمْ، أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرِ لَهُمُ الْبُشْرَى. وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ رَفْعَهُ عَلَى مَوْضِعِ أَوْلِيَاءَ نَعْتًا، أَوْ بَدَلًا، وَأُجِيزَ فِيهِ الْخَبَرُ بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْهِمْ. وَفِي قَوْلِهِ: وَكَانُوا يَتَّقُونَ، إِشْعَارٌ بِمُصَاحَبَتِهِمْ لِلتَّقْوَى مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ، فَحَالُهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَحَالِهِمْ فِي الْمَاضِي. وَبُشْرَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّهَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ» أَوْ «تُرَى لَهُ»

فَسَّرَهَا بِذَلِكَ وَقَدْ سُئِلَ.

وَعَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»

وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ مَا يُبَشَّرُ بِهِ الْمُؤْمِنُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ حَيٌّ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ. وَقِيلَ: هِيَ مَحَبَّةُ النَّاسِ لَهُ، وَالذِّكْرُ الْحَسَنُ.

وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ وَيُحِبُّهُ النَّاسُ؟ فَقَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»

وَعَنْ عَطَاءٍ: لَهُمُ الْبُشْرَى عِنْدَ الْمَوْتِ تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّحْمَةِ. قَالَ تَعَالَى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ «١» الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بُشْرَى الدُّنْيَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الْمُبَشِّرَاتِ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ يُعَارِضُهُ

قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ الرُّؤْيَا»

إِلَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَعْطَى مِثَالًا مِنَ الْبُشْرَى وَهِيَ تَعُمُّ جَمِيعَ الْبَشَرِ. وَبُشْرَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ تَلَقِّى الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ مُسَلِّمِينَ مُبَشِّرِينَ بِالنُّورِ وَالْكَرَامَةِ، وَمَا يَرَوْنَ مِنْ بَيَاضِ وُجُوهِهِمْ، وَإِعْطَاءِ الصُّحُفِ بِأَيْمَانِهِمْ، وَمَا يقرأون مِنْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِشَارَاتِ.

لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، لَا تَغْيِيرَ لِأَقْوَالِهِ، وَلَا خُلْفَ فِي مَوَاعِيدِهِ كَقَوْلِهِ: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ «٢» وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّبْشِيرِ وَالْبُشْرَى فِي مَعْنَاهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ مُبَشَّرِينَ فِي الدَّارَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِشَارَةٌ إِلَى النَّعِيمِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الْبُشْرَى.

وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ أَفْرَادِهِ وَهُوَ التَّكْذِيبُ وَالتَّهْدِيدُ وَمَا يَتَشَاوَرُونَ بِهِ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ مِنْ إِطْلَاقِ الْعَامِّ وَأُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ. وإما أن


(١) سورة فصلت: ٤١/ ٣٠.
(٢) سورة ق: ٥٠/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>