للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرِي، وَاقْطَعُوا عَنِّي أَطْمَاعَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنِّي لَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلَا أَخْتَارُ الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى كَقَوْلِهِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ «١» وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَصْلُهُ: بِأَنْ أَكُونَ، فَحُذِفَ الْجَارُ وَهَذَا الْحَذْفُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَذْفِ الْمُطَّرِدِ الَّذِي هُوَ حَذْفُ الْحُرُوفِ الْجَارَّةِ، مَعَ أَنْ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَذْفِ غَيْرِ الْمُطَّرِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «٢» انْتَهَى يَعْنِي بِالْحَذْفِ غَيْرِ الْمُطَّرِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ، إِنَّهُ لَا يُحْذَفُ حَرْفُ الْجَرِّ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي إِلَّا فِي أَفْعَالٍ مَحْصُورَةٍ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا وَهِيَ:

اخْتَارَ، وَاسْتَغْفَرَ، وَأَمَرَ، وَسَمَّى، وَلَبَّى، وَدَعَا بِمَعْنَى سَمَّى، وَزَوَّجَ، وَصَدَّقَ، خِلَافًا لِمَنْ قَاسَ الْحَذْفَ بِحَرْفِ الْجَرِّ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، حَيْثُ يَعْنِي الْحَرْفَ وَمَوْضِعُ الْحَذْفِ نَحْوُ:

بَرَيْتُ الْقَلَمَ بِالسِّكِّينِ، فَيُجِيزُ السِّكِّينَ بِالنَّصْبِ. وَجَوَابُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ قَوْلُهُ: فَلَا أَعْبُدُ، وَالتَّقْدِيرُ: فَأَنَا لَا أَعْبُدُ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَنْفِيُّ بِلَا إِذَا وَقَعَ جَوَابًا انْجَزَمَ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ عُلِمَ أَنَّهُ عَلَى إِضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ. وَكَذَلِكَ لَوِ ارْتَفَعَ دُونَ لَا لِقَوْلِهِ.

وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ أَيْ: فَهُوَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. وَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ: فَلَا أَعْبُدُ، مَعْنَى فَأَنَا مُخَالِفُكُمْ. وَأَنْ أَقِمْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً لِقَوْلِهِ: وَأُمِرْتُ، مُرَاعًى فِيهَا الْمَعْنَى. لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ أَكُونَ كُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَكُونُ أَنْ مَصْدَرِيَّةً صِلَتُهَا الْأَمْرُ. وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ النَّحْوِيُّونَ، فَلَمْ يَلْتَزِمُوا فِي صِلَتِهَا مَا الْتُزِمَ فِي صِلَاتِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُولَةِ مِنْ كَوْنِهَا لَا تَكُونُ إِلَّا خَبَرِيَّةً بِشُرُوطِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي النَّحْوِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَقِمْ، فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَفْسِيرٍ، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمُقَدَّرَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ وَإِضْمَارُ الْفِعْلِ أَوْلَى، لِيَزُولَ قَلَقُ الْعَطْفِ لِوُجُودِ الْكَافِ، إِذْ لَوْ كَانَ وَأَنْ أَقِمْ عَطْفًا عَلَى أَنْ أَكُونَ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ وَجْهِي بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمَ وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى فِيهِ ضَعْفٌ، وَإِضْمَارُ الْفِعْلِ أَكْثَرُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْعَطْفِ عَلَى الْمَعْنَى. وَالْوَجْهُ هُنَا الْمَنْحَى، وَالْمَقْصِدُ أَيِ:

اسْتَقِمْ لِلدِّينِ وَلَا تَحِدْ عَنْهُ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ صَرْفِ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى طَلَبِ الدِّينِ.

وحنيفا: حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَقِمْ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الدِّينِ، وَلَا تَدْعُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ نَهْيٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى أَقِمْ، فَيَكُونُ فِي حَيِّزِ أَنْ عَلَى قِسْمَيْهَا مِنْ كَوْنِهَا مَصْدَرِيَّةً، وَكَوْنِهَا حَرْفَ تَفْسِيرٍ. وَإِذَا كَانَ دُعَاءُ الْأَصْنَامِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَأَحْرَى أَنْ يُنْهَى عَنْ عِبَادَتِهَا، فَإِنْ فَعَلْتَ كَنَّى بِالْفِعْلِ عَنِ الدُّعَاءِ إِيجَازًا أَيْ: فَإِنْ دَعَوْتَ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ. وَجَوَابُ الشَّرْطِ فَإِنَّكَ وَخَبَرُهَا، وَتَوَسَّطَتْ إِذَا بين


(١) سورة الكافرون: ١٠٩/ ١- ٢.
(٢) سورة الحجر: ١٥/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>