للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُيُوناً «١» إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَرْضِ أَمَاكِنُ التَّنَانِيرِ، وَالتَّفْجِيرُ غَيْرُ الْفَوَرَانِ، فَحَصَلَ الْفَوَرَانُ لِلتَّنُّورِ، وَالتَّفْجِيرُ لِلْأَرْضِ. وَالضَّمِيرُ فِي فِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْفُلْكِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ أُنِّثَ عَلَى مَعْنَى السَّفِينَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا.

وَقَرَأَ حَفْصٌ: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ بِتَنْوِينِ، كُلٍّ أَيْ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ وَزَوْجَيْنِ مَفْعُولٌ، وَاثْنَيْنِ نَعْتُ تَوْكِيدٍ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْإِضَافَةِ، وَاثْنَيْنِ مَفْعُولُ احْمِلْ، وَزَوْجَيْنِ بِمَعْنَى الْعُمُومِ أَيْ:

مِنْ كُلِّ مَا لَهُ ازْدِوَاجٌ، هَذَا مَعْنَى مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ حاصلين اثْنَيْنِ، لَوَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ كُلِّ نَوْعِ أَرْبَعَةً، وَالزَّوْجُ فِي مَشْهُورِ كَلَامِ الْعَرَبِ لِلْوَاحِدِ مِمَّا لَهُ ازْدِوَاجٌ، فَيُقَالُ: هَذَا زَوْجُ، هَذَا وَهُمَا زَوْجَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمَهْيَعُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «٢» ثُمَّ فَسَّرَهَا وَفِي قَوْلِهِ:

وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «٣» وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَقَدْ يُقَالُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلِاثْنَيْنِ زَوْجٌ، هَكَذَا تَأْخُذُهُ الْعَدَدِيُّونَ. وَالزَّوْجُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّوْعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ «٤» وَقَالَ تَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها «٥» انْتَهَى.

وَلَمَّا جَعَلَ الْمَطَرُ يَنْزِلُ كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ جَعَلَتِ الْوُحُوشُ تَطْلُبُ وَسَطَ الْأَرْضِ هَرَبًا مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى اجْتَمَعْنَ عِنْدَ السَّفِينَةِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْمِلَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يَعْنِي: ذَكَرًا وَأُنْثَى لَيَبْقَى أَصْلُ النَّسْلِ بَعْدَ الطُّوفَانِ.

فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ أَنْوَاعُ الْحَيَوَانِ فَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى الذَّكَرِ وَيَسَارَهُ عَلَى الْأُنْثَى، وَكَانَتِ السَّفِينَةُ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ: السُّفْلَى لِلْوُحُوشِ، وَالْوُسْطَى لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْعُلْيَا لَهُ وَلِمَنْ آمَنَ.

وَأَهْلَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى زَوْجَيْنِ إِنْ نُوِّنَ كُلٍّ، وَعَلَى اثْنَيْنِ إِنْ أُضِيفَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ أَهْلِهِ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْهَلَاكِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ لَا لِتَقْدِيرِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ، وَالَّذِي سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ امْرَأَتُهُ وَاعِلَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَابْنُهُ كَنْعَانُ. وَمَنْ آمَنَ عَطْفٌ عَلَى وَأَهْلَكَ، قِيلَ: كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا وَثَمَانِينَ امْرَأَةً، وَقِيلَ: كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آمَنَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا، وَعَنْهُ ثَمَانُونَ إِنْسَانًا، ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِيهِ سَامَ وَحَامَ وَيَافِثَ، وَثَلَاثُ كَنَائِنَ لَهُ، وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ بَنَوْا قَرْيَةً تدعى اليوم قرية


(١) سورة القمر: ٥٤/ ١٢.
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ١٤٣.
(٣) سورة النجم: ٥٣/ ٤٥.
(٤) سورة الحج: ٢٢/ ٥.
(٥) سورة يس: ٣٦/ ٣٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>