وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ. قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ: قَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ: وَإِلَى ثَمُودَ بِالصَّرْفِ عَلَى إِرَادَةِ الْحَيِّ، وَالْجُمْهُورِ عَلَى مَنْعِ الصَّرْفِ ذَهَابًا إِلَى الْقَبِيلَةِ. أَنْشَأَكُمْ: اخْتَرَعَكُمْ وَأَوْجَدَكُمْ، وَذَلِكَ بِاخْتِرَاعِ آدَمَ أَصْلِهِمْ، فَكَانَ إِنْشَاءُ الْأَصْلِ إِنْشَاءً لِلْفَرْعِ. وَقِيلَ: مِنَ الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ النَّبَاتُ، الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ الْغِذَاءُ، الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَدَمُ الطَّمْثِ، الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُمَا الْإِنْسَانُ. وَقِيلَ: مِنْ بمعنى في واستعمركم جَعَلَكُمْ عُمَّارًا، وَقِيلَ: اسْتَعْمَرَكُمْ مِنَ الْعُمُرِ أَيِ: اسْتَبَقَاكُمْ فِيهَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ أَيْ، أَطَالَ أَعْمَارَكُمْ. وَقِيلَ: مِنَ الْعُمْرَى، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. فَيَكُونُ اسْتَعْمَرَ فِي مَعْنَى أَعْمَرَ، كَاسْتَهْلَكَهُ فِي مَعْنَى أَهْلَكَهُ. وَالْمَعْنَى: أَعْمَرَكُمْ فِيهَا دِيَارَكُمْ، ثُمَّ هُوَ وَارِثُهَا مِنْكُمْ. أَوْ بِمَعْنَى: جَعَلَكُمْ مُعَمِّرِينَ دِيَارَكُمْ فِيهَا، لِأَنَّ مَنْ وَرِثَ دَارَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَإِنَّهُ أَعْمَرَهُ إِيَّاهَا، لِأَنَّهُ يَسْكُنُهَا عُمُرَهُ ثُمَّ يَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: اسْتَعْمَرَكُمْ أَمَرَكُمْ بِعِمَارَةِ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ مَسَاكِنَ وَغَرْسِ أَشْجَارٍ. وَقِيلَ: أَلْهَمَكُمْ عِمَارَتَهَا مِنَ الْحَرْثِ وَالْغَرْسِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا. إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ أَيْ: دَانِي الرَّحْمَةِ، مُجِيبٌ لِمَنْ دَعَاهُ. قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا.
قَالَ كَعْبٌ: كانوا يرجونه لِلْمَمْلِكَةِ بَعْدَ مُلْكِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ ذَا حَسَبٍ وَثَرْوَةٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
فَاضِلًا خَيِّرًا نُقَدِّمُكَ عَلَى جَمِيعِنَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا يَرْجُونَ رُجُوعَهُ إِلَى دِينِهِمْ، إِذْ كَانَ يُبْغِضُ أَصْنَامَهُمْ، وَيَعْدِلُ عَنْ دِينِهِمْ، فَلَمَّا أَظْهَرَ إِنْذَارَهُمُ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ مِنْهُ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ يَرْجُونَ خَيْرَهُ، فلما أنذرهم انقطع رجاؤه خَيْرَهُ. وَبَسَطَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ: فِينَا فِيمَا بَيْنَنَا مَرْجُوًّا كَانَتْ تَلُوحُ فيك مخايل الخير وجمارات الرُّشْدِ، فَكُنَّا نَرْجُوكَ لِنَنْتَفِعَ بِكَ، وَتَكُونَ مُشَاوَرًا فِي الْأُمُورِ مُسْتَرْشَدًا فِي التَّدَابِيرِ، فَلَمَّا نَطَقْتَ بِهَذَا الْقَوْلِ انْقَطَعَ رَجَاؤُنَا عَنْكَ، وَعَلِمْنَا أَنْ لَا خَيْرَ فِيكَ انْتَهَى. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ قَوِيَّ الْخَاطِرِ، وَكَانَ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ، قَوِيَ رَجَاؤُهُمْ فِي أَنْ يَنْصُرَ دِينَهُمْ وَيُقَوِّيَ مَذْهَبِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالظَّاهِرُ الَّذِي حَكَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ قَوْلَهُ: مَرْجُوًّا مَشُورًا، نُؤَمِّلُ فِيكَ أَنْ تَكُونَ سَيِّدًا سَادًّا مَسَدَّ الْأَكَابِرِ، ثُمَّ قَرَّرُوهُ عَلَى التَّوْبِيخِ فِي زَعْمِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: أَتَنْهَانَا. وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ حَقِيرًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ مرجو بِمَعْنَى حَقِيرٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّفْسِيرِ لِلْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ بِقَوْلِهِمْ: مَرْجُوًّا بِقَوْلِ: لَقَدْ كُنْتَ فِينَا سَهْلًا مَرَامُكَ، قَرِيبًا رَدُّ أَمْرِكَ مِمَّنْ لَا يُظَنُّ أَنْ يُسْتَعْجَلَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلُ هَذَا. فَمَعْنَى مَرْجُوًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute