وَيُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّىَ جَمِيعُ مَسْكَنِ الْحَيِّ دَارًا انْتَهَى. ذَلِكَ أَيِ: الْوَعْدُ بِالْعَذَابِ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، أَيْ صِدْقٌ حق. والأصل غير مَكْذُوبٌ فِيهِ، فَاتَّسَعَ فَحُذِفَ الْحَرْفُ وَأُجْرِيَ الضَّمِيرُ مَجْرَى الْمَفْعُولِ بِهِ، أَوْ جُعِلَ غَيْرُ مَكْذُوبٍ لِأَنَّهُ وَفَّى بِهِ فَقَدْ صَدَقَ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَكْذُوبَ هُنَا مَصْدَرٌ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُ أَنَّ الْمَصْدَرَ يَجِيءُ عَلَى زِنَةِ مَفْعُولٍ.
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ: وَالْكَلَامُ فِي جَاءَ أَمْرُنَا كَالْكَلَامِ السَّابِقِ فِي قِصَّةِ قَوْمِ هُودٍ. قِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ فِي وَمِنْ أَيْ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ فَيَتَعَلَّقُ من بنجينا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُزَادُ عِنْدَهُمْ بَلْ تَتَعَلَّقُ مِنْ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ خِزْيِ، أَيْ وَكَانَتِ التَّنْجِيَةُ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ: وَمِنْ خِزْيِ بِالتَّنْوِينِ، وَنَصْبِ يَوْمَئِذٍ عَلَى الظَّرْفِ مَعْمُولًا لِخِزْيٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْإِضَافَةِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ، وَهِيَ فَتْحَةُ بِنَاءٍ لِإِضَافَتِهِ إِلَى إِذْ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ حَرَكَةُ إِعْرَابٍ، وَالتَّنْوِينُ فِي إِذْ تَنْوِينُ عِوَضٍ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الذِّكْرِ أَيْ:
وَمِنْ فَضِيحَةِ يَوْمِ إِذْ جَاءَ الْأَمْرُ وَحَلَّ بِهِمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يريد بيومئذ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا فَسَّرَ الْعَذَابَ الْغَلِيظَ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي إِذْ تَنْوِينُ الْعِوَضِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا قَوْلُهُ، فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا وَلَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ فِيهَا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا مَا يَكُونُ فِيهَا، فَيَكُونُ هَذَا التَّنْوِينُ عِوَضًا مِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَنَاسَبَ مَجِيءُ الْأَمْرِ وَصْفَهُ تَعَالَى بِالْقَوِيِّ الْعَزِيزِ، فَإِنِّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ وَالِانْتِقَامِ، وَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْأَعْرَافِ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ، مَنَعَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ صَرْفَهُ، وَصَرَفَهُ الْبَاقُونَ، لِثَمُودَ صَرَفَهُ الْكِسَائِيُّ، وَمَنَعَهُ بَاقِي السَّبْعَةِ.
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يَا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ: تَقَدَّمَ أَنَّ تَرْتِيبَ قَصَصِ هَذِهِ السُّورَةِ كَتَرْتِيبِ قَصَصِ الْأَعْرَافِ، وَإِنَّمَا أَدْرَجَ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ قِصَّةِ صَالِحٍ وَلُوطٍ، لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي قِصَّةِ لُوطٍ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ خَالَةِ لُوطٍ. وَالرُّسُلُ هُنَا الْمَلَائِكَةُ، بَشَّرَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute