للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الِاطِّلَاعِ مَا لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ «١»

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ رَبِّي عَبْدُكَ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً»

الْحَدِيثَ، أَوْ بِمَا يَلُوحُ فِي صَفَحَاتِ وَجْهِ الْخَائِفِ. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ جُمْلَةٌ مِنِ ابْتِدَاءٍ وَخَبَرٍ قَالَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي أَرْسَلْنَا، يَعْنِي الْمَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ يُسَمِّيهِ فَاعِلًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْفَاعِلِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَالتَّقْدِيرُ أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ فِي حَالِ قِيَامِ امْرَأَتِهِ، يَعْنِي امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ قَالُوا أَيْ: قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ لَا تَخَفْ فِي حَالِ قِيَامِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ سَارَةُ بِنْتُ هَارَانَ بْنِ نَاخُورَ وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ، قَائِمَةٌ أَيْ: لِخِدْمَةِ الْأَضْيَافِ، وَكَانَتْ نِسَاؤُهُمْ لَا تَحْتَجِبُ كَعَادَةِ الْأَعْرَابِ، وَنَازِلَةِ الْبَوَادِي وَالصَّحْرَاءِ، وَلَمْ يَكُنِ التَّبَرُّجُ مَكْرُوهًا، وَكَانَتْ عَجُوزًا، وَخِدْمَةُ الضِّيفَانِ مِمَّا يُعَدُّ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ. وَجَاءَ فِي شَرِيعَتِنَا مِثْلُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ:

وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ عَرُوسًا، فَكَانَتْ خَادِمَةَ الرَّسُولِ وَمَنْ حَضَرَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ وَهْبٌ:

كَانَتْ قَائِمَةً وَرَاءَ السَّتْرِ تَسْمَعُ مُحَاوَرَتَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَائِمَةٌ تُصَلِّي. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:

قَائِمَةٌ عَنِ الْوَلَدِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ وَهُوَ قَاعِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَهِيَ قَائِمَةٌ وَهُوَ جَالِسٌ. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ امْرَأَةِ إِبْرَاهِيمَ فَيُضْمَرُ، لَكِنَّهُ يُفَسِّرُهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ.

قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: فَضَحِكَتْ حَاضَتْ. قَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ الضَّحِكُ الْمَعْرُوفُ.

فَقِيلَ: هُوَ مَجَازٌ مُعَبَّرٌ بِهِ عَنْ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَسُرُورِهِ بِنَجَاةِ أَخِيهَا وَهَلَاكِ قَوْمِهِ، يُقَالُ: أَتَيْتُ عَلَى رَوْضَةٍ تَضْحَكُ أَيْ مُشْرِقَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ. فَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَحِكَتْ مِنْ شِدَّةِ خَوْفِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي أهله وغلمانه. والذين جاؤوه ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ تَعْهَدُهُ يَغْلِبُ الْأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: الْمِائَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ضَحِكَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَقُرْبِ الْعَذَابِ مِنْهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ضَحِكَتْ مِنْ إِمْسَاكِ الْأَضْيَافِ عَنِ الْأَكْلِ وَقَالَتْ: عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا نَخْدُمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا، وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

ضحكت من الْبِشَارَةِ بِإِسْحَاقَ، وَقَالَ: هَذَا مُقَدَّمٌ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ ضَحِكَهَا كَانَ سُرُورًا بِصِدْقِ ظَنِّهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِإِبْرَاهِيمَ: اضْمُمْ إِلَيْكَ ابْنَ أَخِيكَ لُوطًا وَكَانَ أَخَاهَا، فَإِنَّهُ سَيَنْزِلُ الْعَذَابُ بِقَوْمِهِ. وَقِيلَ: ضَحِكَتْ لِمَا رَأَتْ مِنَ الْمُعْجِزِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَسَحَتِ الْعِجْلَ الْحَنِيذَ فَقَامَ حَيًّا يَطْفِرُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمَّا لم يأكلوا،


(١) سورة الانفطار: ٨٢/ ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>