للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضِدُّهُ، يُقَالُ مِنْهُ: سَعِدَ يَسْعَدُ. وَيُعَدَّيَانِ بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَشْقَاهُ اللَّهُ، وَأَسْعَدَهُ اللَّهُ. وقد قرىء شقوا وسعدوا بِضَمِّ الشِّينِ وَالسِّينِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ يَتَعَدَّيَانِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَسْعُودٌ، وَذُكِرَ أَنَّ الْفَرَّاءَ حَكَى أَنْ هُذَيْلًا تَقُولُ: سَعِدَهُ اللَّهُ بِمَعْنَى أَسْعَدَهُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سَعِدَ بِالْكَسْرِ فَهُوَ سَعِيدٌ، مِثْلَ سَلِمَ فَهُوَ سَلِيمٌ، وَسَعِدَ فَهُوَ مَسْعُودٌ. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْقُشَيْرِيُّ:

وَرَدَ سَعِدَهُ اللَّهُ فَهُوَ مَسْعُودٌ، وَأَسْعَدَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُسْعَدٌ.

الْجَذُّ الْقَطْعُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: جَذَذْتُ وَجَدَدْتُ، وَهُوَ بِالذَّالِ أَكْثَرُ.

قَالَ النَّابِغَةُ:

تجذ السلوقي المضاعف يسجه ... وَتُوقِدُ بِالصُّفَّاحِ نَارَ الْحُبَاحِبِ

وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ: كَانَ قَوْمُ شُعَيْبٍ عَبْدَةَ أَوْثَانٍ، فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ. وَبِالْكُفْرِ اسْتَوْجَبُوا الْعَذَابَ، وَلَمْ يُعَذِّبِ اللَّهُ أُمَّةً عَذَابَ اسْتِئْصَالٍ إِلَّا بِالْكُفْرِ، وَإِنِ انْضَافَتْ إِلَى ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ كَانَتْ تَابِعَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِخَيْرٍ أَيْ: فِي رُخْصِ الْأَسْعَارِ وَعَذَابُ الْيَوْمِ الْمُحِيطِ، هُوَ حُلُولُ الْغَلَاءِ الْمُهْلِكِ. وَيَنْظُرُ هَذَا التَّأْوِيلُ إِلَى

قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا ارْتَفَعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ»

وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ بِخَيْرٍ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْوَفَاءِ لَا لِلنَّقْصِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِثَرْوَةٍ وسعة تُغْنِيكُمْ عَنِ التَّطْفِيفِ، أَوْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ حَقُّهَا أَنْ تَقَابَلَ بِغَيْرِ مَا تَفْعَلُونَ، أَوْ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ فَلَا تُزِيلُوهُ عَنْكُمْ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. يَوْمٍ مُحِيطٍ أَيْ: مُهْلِكٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ «١» وَأَصْلُهُ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ فِي آخِرِهِ. وَوَصْفُ الْيَوْمِ بِالْإِحَاطَةِ أَبْلَغُ مِنْ وَصْفِ الْعَذَابِ بِهِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ زَمَانٌ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَوَادِثِ، فَإِذَا أَحَاطَ بِعَذَابِهِ فَقَدِ اجْتَمَعَ لِلْمُعَذَّبِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْهُ، كَمَا إِذَا أَحَاطَ بِنَعِيمِهِ. وَنُهُوا أَوَّلًا: عَنِ الْقَبِيحِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ وَهُوَ نَقْصُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَفِي التَّصْرِيحِ بِالنَّهْيِ نَعْيٌ عَلَى الْمَنْهِيِّ وَتَعْيِيرٌ لَهُ. وَأُمِرُوا ثَانِيًا: بِإِيفَائِهِمَا مُصَرَّحًا بِلَفْظِهِمَا تَرْغِيبًا فِي الْإِيفَاءِ، وَبَعْثًا عَلَيْهِ. وَجِيءَ بِالْقِسْطِ لِيَكُونَ الْإِيفَاءُ عَلَى جِهَةِ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ، لِأَنَّ مَا جَاوَزَ الْعَدْلَ فضل وأمر منذوب إِلَيْهِ. وَنُهُوا ثَالِثًا: عَنْ نقص


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>