للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ: رَأَيْتُ الْكَوَاكِبَ مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّأْخِيرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَلَمْ يَقَعِ التَّرَقِّي فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ جَرْيًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ «١» وَقَالَ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً «٢» وَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ لِسُطُوعِ نُورِهَا وَكِبَرِ جَرْمِهَا وَغَرَابَةِ سَيْرِهَا، وَاسْتِمْدَادِهِ مِنْهَا، وَعُلُوِّ مَكَانِهَا.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَأَيْتُهُمْ كَرَّرَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لِلطُّولِ بِالْمَفَاعِيلِ، كَمَا كُرِّرَ إِنَّكُمْ فِي قَوْلِهِ أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ «٣» لِطُولِ الْفَصْلِ بِالظَّرْفِ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَعْنَى تَكْرَارِ رَأْيَتُهُمْ؟ (قُلْتُ) : لَيْسَ بِتَكْرَارٍ، إِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ عَلَى تَقْدِيرِ سُؤَالٍ وَقَعَ جَوَابًا لَهُ، كَانَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ:

إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كَيْفَ رَأَيْتَهَا سَائِلًا عَنْ حَالِ رُؤْيَتِهَا؟ فَقَالَ:

رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ انْتَهَى. وَجَمَعَهُمْ جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ، لِصُدُورِ السُّجُودِ لَهُ، وَهُوَ صِفَةُ مَنْ يَعْقِلُ، وَهَذَا سَائِغٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الشَّيْءَ حُكْمَ الشَّيْءِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي وَصْفٍ مَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ أَصْلُهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا. وَالسُّجُودُ: سُجُودُ كَرَامَةٍ، كَمَا سَجَدَتِ الْمَلَائِكَةُ لِآدَمَ. وَقِيلَ: كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ السُّجُودُ تَحِيَّةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَلَمَّا خَاطَبَ يُوسُفُ أَبَاهُ بِقَوْلِهِ: يَا أَبَتِ، وَفِيهِ إِظْهَارُ الطَّوَاعِيَةِ وَالْبِرِّ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَحَلِّ الشَّفَقَةِ بِطَبْعِ الْأُبُوَّةِ خَاطَبَهُ أَبُوهُ بِقَوْلِهِ: يَا بُنَيَّ، تَصْغِيرُ التَّحْبِيبِ وَالتَّقْرِيبِ وَالشَّفَقَةِ. وَقَرَأَ حَفْصٌ هُنَا وَفِي لُقْمَانَ، وَالصَّافَّاتِ: يَا بُنَيَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَابْنُ كَثِيرٍ فِي لقمان: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ «٤» وَقُنْبُلٌ يَا بُنَيْ أَقِمْ بِإِسْكَانِهَا، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْكَسْرِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَا تَقُصُّ مُدْغَمًا، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَالْجُمْهُورُ بِالْفَكِّ وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ. وَالرُّؤْيَا مَصْدَرٌ كَالْبُقْيَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الرُّؤْيَا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ، إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي النَّوْمِ دُونَ الْيَقَظَةِ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بحر في التَّأْنِيثِ كَمَا قِيلَ: الْقُرْبَةُ وَالْقُرْبَى انْتَهَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: رُؤْيَاكَ وَالرُّؤْيَا حَيْثُ وَقَعَتْ بِالْهَمْزِ مِنْ غَيْرِ إِمَالَةٍ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ: بِالْإِمَالَةِ وَبِغَيْرِ الْهَمْزِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ.

وَإِخْوَةُ يُوسُفَ هُمْ: كَاذٌ، وَبِنْيَامِينُ، وَيَهُوذَا، وَنَفْتَالِي، وَزَبُولُونُ، وَشَمْعُونُ، وَرُوبِينُ، وَيُقَالَ بِاللَّامِ كَجِبْرِيلَ، وَجِبْرِينُ، وَيُسَاخَا، وَلَاوِي، وَذَانٌ، وَيَاشِيرُ. فَيَكِيدُوا لك: منصوب


(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٥.
(٢) سورة يونس: ١٠/ ٥.
(٣) سورة المؤمنون: ٢٣/ ٣٥.
(٤) سورة لقمان: ٣١/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>