الْأَكْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: يَأْكُلْنَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ فِيهِمَا كَمَا قَالَ: وَالنَّهارَ مُبْصِراً «١» . وَمَعْنَى تُحْصِنُونَ تُحْرِزُونَ وَتُخْبِئُونَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَالْمَلْجَأُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْجُمْهُورُ: يُغَاثُ مِنَ الْغَيْثِ، وَقِيلَ: مِنَ الْغَوْثِ، وَهُوَ الْفَرَجُ.
فَفِي الْأَوَّلِ بُنِيَ مِنْ ثُلَاثِيٍّ، وَفِي الثَّانِي مِنْ رُبَاعِيٍّ، تَقُولُ: غَاثَنَا اللَّهُ مِنَ الْغَيْثِ، وَأَغَاثَنَا مِنَ الْغَوْثِ. وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ: تَعْصِرُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عَصْرِ النَّبَاتِ كَالْعِنَبِ وَالْقَصَبِ وَالزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَالْفِجْلِ وَجَمِيعِ مَا يُعْصَرُ، وَمِصْرُ بَلَدُ عَصِيرٍ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَالْحَلْبُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ عَصْرٌ لِلضُّرُوعِ. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْصِرُوا شَيْئًا مُدَّةَ الْجَدْبِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُصْرَةِ، وَالْعَصْرُ وَهُوَ الْمُنَجِّي، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي زُبَيْدٍ فِي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ الْمَنْجُودِ
فَالْمَعْنَى: يَنْجُونَ بِالْعُصْرَةِ. وَقَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَعِيسَى الْبَصْرَةِ يُعْصَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَعَنْ عِيسَى أَيْضًا: تُعْصَرُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ: يَنْجُونَ مِنْ عَصْرِهِ إِذَا أَنْجَاهُ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: يُغَاثُ النَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسْتَنِيرِ: مَعْنَاهُ يُمْطَرُونَ، مِنْ أَعْصَرَتِ السَّحَابَةُ مَاءَهَا عَلَيْهِمْ فَجُعِلُوا مُعْصِرِينَ مَجَازًا بِإِسْنَادِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ لِلْمَاءِ الَّذِي يُمْطَرُونَ بِهِ. وحكى النقاش أنه قرىء يُعَصِّرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَشَدِّهَا، مِنْ عَصَّرَ مُشَدَّدًا لِلتَّكْثِيرِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَفِيهِ تِعِصِّرُونَ، بِكَسْرِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَالصَّادِ وَشَدِّهَا، وَأَصْلُهُ تَعْتَصِرُونَ، فَأَدْغَمَ التَّاءَ فِي الصَّادِ وَنَقَلَ حَرَكَتَهَا إِلَى الْعَيْنِ، وَأَتْبَعَ حَرَكَةَ التَّاءِ لِحَرَكَةِ الْعَيْنِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ اعْتَصَرَ الْعِنَبَ وَنَحْوِهِ. وَمِنِ اعْتَصَرَ بِمَعْنَى نَجَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي
أَيْ نَجَاتِي. تَأَوَّلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَقَرَاتِ السِّمَانَ وَالسُّنْبُلَاتِ الْخُضْرَ بسين مُخْصِبَةٍ، وَالْعِجَافَ وَالْيَابِسَاتِ بِسِنِينَ مُجْدِبَةٍ، ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا بِمَجِيءِ الْعَامِ الثَّامِنِ مُبَارَكًا خَصِيبًا كَثِيرَ الْخَيْرِ غَزِيرَ النِّعَمِ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: زَادَهُ اللَّهُ عِلْمَ سَنَةٍ، وَالَّذِي مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ هُوَ التَّفْضِيلُ بِحَالِ الْعَامِ بِأَنَّهُ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ، وَفِيهِ يَعْصِرُونَ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ بِانْتِهَاءِ السَّبْعِ الشِّدَادِ مَجِيءُ الْخِصْبِ.
(١) سورة يونس: ١٠/ ٦٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute