للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْرِفَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُحَرِّضُهُمْ بِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِأَخِيهِمْ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَوْنَ أني أوف الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ أَيِ الْمُضِيفِينَ؟ يَعْنِي فِي قُطْرِهِ وَفِي زَمَانِهِ يُؤْنِسُهُمْ بِذَلِكَ وَيَسْتَمِيلُهُمْ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ إِنْ لَمْ يَأْتُوا بِهِ إِلَيْهِ بِحِرْمَانِهِمْ مِنَ الْمِيرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ: وَلَا تَقْرَبُونِ، أَنْ يَكُونَ نَهْيًا، وَأَنْ يَكُونَ نَفْيًا مُسْتَقِلًّا وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ. وَحُذِفَتِ النُّونُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ، كَمَا حذفت في فبم تبشرون أَنْ يَكُونَ نَفْيًا دَاخِلًا فِي الْجَزَاءِ مَعْطُوفًا عَلَى مَحَلٍّ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي، فَيَكُونُ مَجْزُومًا وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَقْرُبُونَ لَهُ بِكَذَا وَلَا طَاعَةٍ. وَظَاهِرُ كُلِّ مَا فَعَلَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُمْ أَنَّهُ بِوَحْيٍ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الْبِرِّ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى أَبِيهِ وَيَسْتَدْعِيَهُ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ تَكْمِيلَ أَجْرِ يَعْقُوبَ وَمِحْنَتِهِ: وَلِتَتَفَسَّرَ الرُّؤْيَا الْأُولَى قَالُوا: سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ أَيْ:

سَنُخَادِعُهُ وَنَسْتَمِيلُهُ فِي رِفْقٍ إِلَى أَنْ يَتْرُكَهُ يَأْتِيَ مَعَنَا إِلَيْكَ، ثُمَّ أَكَّدُوا ذَلِكَ الْوَعْدَ بِأَنَّهُمْ فَاعِلُو ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، لَا نُفَرِّطُ فِيهِ وَلَا نَتَوَانَى. وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَحَفْصٌ: لِفِتْيَانِهِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ لِفِتْيَتِهِ، فَالْكَثْرَةُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَأْمُورِينَ، وَالْقِلَّةُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ. فَهُمُ الْخَدَمَةُ الْكَائِلُونَ أَمَرَهُمْ بِجَعْلِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ الطَّعَامَ فِي رِحَالِهِمْ مُبَالِغَةً فِي اسْتِمَالَتِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا أَيْ: يَعْرِفُونَ حَقَّ رَدِّهَا، وَحَقَّ التَّكَرُّمِ بِإِعْطَاءِ الْبَدَلَيْنِ فَيَرْغَبُونَ فِينَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أهلهم، وفرغوا ظروفهم. ولعلهم يعرفونها تعليق بالجعل، ولعلهم يَرْجِعُونَ تَعْلِيقٌ بِتَرَجِّي مَعْرِفَةِ الْبِضَاعَةِ لِلرُّجُوعِ إِلَى يُوسُفَ. قِيلَ: وَكَانَتْ بِضَاعَتُهُمُ النِّعَالَ وَالْأُدُمَ. وَقِيلَ: يَرْجِعُونَ مُتَعَدٍّ، فَالْمَعْنَى لَعَلَّهُمْ يَرُدُّونَ الْبِضَاعَةَ. وَقِيلَ: تَخَوَّفَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ مِنَ الْمَتَاعِ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ. وَقِيلَ: عَلِمَ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ تَحْمِلُهُمْ عَلَى رَدِّ الْبِضَاعَةِ، لَا يَسْتَحِلُّونَ إِمْسَاكَهَا فَيَرْجِعُونَ لِأَجْلِهَا. وَقِيلَ: جَعَلَهَا تَوْطِئَةً لَجَعْلِ السِّقَايَةِ فِي رَحْلِ أَخِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ لِمَنْ يَتَأَمَّلُ الْقِصَّةَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ يُوسُفُ مِنْ صِلَتِهِمْ وَجَبْرِهِمْ فِي تِلْكَ الشِّدَّةِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، إِذْ هُوَ مَلِكٌ عَادِلٌ وَهُمْ أَهْلُ إِيمَانٍ وَنُبُوَّةٍ.

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ: أَيْ: رَجَعُوا مِنْ مِصْرَ مُمْتَارِينَ، بَادَرُوا بِمَا كَانَ أَهَمَّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُمْ مِنَ التَّوْطِئَةِ لِإِرْسَالِ أَخِيهِمْ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَتَاعِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِإِحْسَانِ الْعَزِيزِ إِلَيْهِمْ مِنْ رَدِّ بِضَاعَتِهِمْ. وَأَخْبَرُوا بِمَا جَرَى لَهُمْ مَعَ الْعَزِيزِ الَّذِي عَلَى إِهْرَاءِ مِصْرَ، وَأَنَّهُمُ اسْتَدْعَى مِنْهُمُ الْعَزِيزُ أَنْ يَأْتُوا بِأَخِيهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ صِدْقُهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَوَاسِيسَ، وَقَوْلُهُمْ: مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ، إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِ يُوسُفَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي. وَيَكُونُ مُنِعَ يُرَادُ بِهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>