يَقُولُونَ: لَا يُمْكِنُ أَنْ نسرق، ألا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ الصَّاعُ فِي رِحَالِنَا. وَكَانَ فِي دِينِ يَعْقُوبَ اسْتِعْبَادُ السَّارِقِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سُنَّةٌ، وَكَانَ فِي دِينِ مِصْرَ أَنْ يُضْرَبَ وَيُضَعَّفَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، وَلِذَلِكَ أَجَابُوا عَلَى شَرِيعَتِهِمْ، وَجَوَّزُوا فِي إِعْرَابِ هَذَا الْكَلَامِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ جزاؤه مبتدأ، ومن شَرْطِيَّةً أَوْ مَوْصُولَةً مُبْتَدَأً ثَانٍ، فَهُوَ جَزَاؤُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ، أَوْ خَبَرٌ مَا الْمَوْصُولَةِ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ وُجِدَ إِلَى آخِرِهِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَالُوا:
جَزَاؤُهُ لِلسَّارِقِ قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِخُلُوِّ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرَ جَزَاؤُهُ مِنْ رَابِطٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى قَالُوا: جَزَاءُ سَرِقَتِهِ، وَيَكُونُ جَزَاؤُهُ مُبْتَدَأً، وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ كَمَا هِيَ خَبَرُهُ عَلَى إِقَامَةِ الظَّاهِرِ فِيهَا مَقَامُ الْمُضْمَرِ. وَالْأَصْلُ جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، فَهُوَ هُوَ.
فَمَوْضِعُ الْجَزَاءِ مَوْضِعُ هُوَ، كَمَا تَقُولُ لِصَاحِبِكَ: مَنْ أَخُو زَيْدٍ؟ فَتَقُولُ: أَخُوهُ مَنْ يَقْعُدُ إِلَى جَنْبِهِ، فَهُوَ هُوَ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ إِلَى مَنْ، وَالثَّانِي إِلَى الْأَخِ. ثُمَّ تَقُولُ: فَهُوَ أَخُوهُ مُقِيمًا لِلْمُظْهَرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَوَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلرَّبْطِ إِنَّمَا هُوَ فَصِيحٌ فِي مَوَاضِعِ التَّفْخِيمِ وَالتَّهْوِيلِ، وَغَيْرُ فَصِيحٍ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ نَحْوَ: زَيْدٌ قَامَ زَيْدٌ. وَيُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَوْ قُلْتَ كَانَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا زَيْدٌ، لَمْ يَكُنْ ضِدَّ الْكَلَامِ، وَكَانَ هَاهُنَا ضَعِيفًا، وَلَمْ يَكُنْ كَقَوْلِكَ: مَا زَيْدٌ مُنْطَلِقًا هُوَ، لِأَنَّكَ قَدِ اسْتَغْنَيْتَ عَنْ إِظْهَارِهِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تضمره. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُ خبر مبتدأ محذوف أي الْمَسْئُولُ عَنْهُ جَزَاؤُهُ ثُمَّ أَفْتُوا بِقَوْلِهِمْ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَمَا تَقُولُ: مَنْ يَسْتَفْتِي فِي جَزَاءِ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ، ثُمَّ تَقُولُ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «١» قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَهُوَ مُتَكَلِّفٌ، إِذْ تَصِيرُ الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَسْئُولُ عَنْهُ جَزَاؤُهُ، عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ فَائِدَةٍ، إِذْ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَا جَزَاؤُهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ جَزَاءُ سَرِقَتِهِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي نُطْقِهِمْ بِذَلِكَ؟ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمِثَالُ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُسْتَفْتِي. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُ مُبْتَدَأً أَيْ: جَزَاءُ سَرِقَةِ الصَّاعِ، وَالْخَبَرُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أَيْ: أُخِذَ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ. وَقَوْلُهُمْ: فَهُوَ جَزَاؤُهُ، تَقْرِيرٌ لِحُكْمٍ أَيْ: فَأَخْذُ السَّارِقِ نَفْسِهِ هُوَ جَزَاؤُهُ لَا غَيْرَ كَقَوْلِكَ: حَقُّ زَيْدٍ أَنْ يُكْسَى وَيُطْعَمَ وَيُنْعَمَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَزَاؤُهُ، أَوْ فَهُوَ حَقُّهُ، لِتُقَرِّرَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْقَوْلَ الْوَاحِدَ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَبَرًا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى جَزَاءُ السَّارِقِ من وجد
(١) سورة المائدة: ٥/ ٩٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute