للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي أَعْجَزَ حَمَلَتَهُ وَرُوَاتَهُ لَمْ تَقَعْ شُبْهَةٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ وَنَحْوُهُ وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ «١» . فَقَوْلُهُ: وَمَا كُنْتَ، هُنَا تَهَكُّمٌ بِهِمْ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مَعَهُمْ. وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَيْ: عَزَمُوا عَلَى إِلْقَاءِ يُوسُفَ فِي الْجُبِّ، وَهُمْ يَمْكُرُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ. وَالْمَكْرُ: أَنْ يُدَبِّرَ عَلَى الْإِنْسَانِ تَدْبِيرًا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ والناس، الظَّاهِرُ الْعُمُومُ لِقَوْلِهِ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ. وَلَوْ حَرَصْتَ: وَلَوْ بَالَغْتَ فِي طَلَبِ إِيمَانِهِمْ لَا يُؤْمِنُونَ لِفَرْطِ عِنَادِهِمْ وَتَصْمِيمِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ. وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَلَوْ حَرَصْتَ لَمْ يُؤْمِنُوا، إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ إِيمَانَهُ. وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ أَيْ: مَا تَبْتَغِي عَلَيْهِ أَجْرًا عَلَى دِينِ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: عَلَى التَّبْلِيغِ، وَقِيلَ: عَلَى الْأَنْبَاءِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ. وَفِيهِ تَوْبِيخٌ لِلْكَفَرَةِ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ. أَوْ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَى مَا تُحَدِّثُهُمْ بِهِ وَتُذَكِّرُهُمْ أَنْ يُنِيلُوكَ مَنْفَعَةً وَجَدْوَى، كَمَا يُعْطِي حملة الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ إِنْ هُوَ إِلَّا مَوْعِظَةٌ وَذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلْعَالَمِينَ عَامَّةً، وَحَثٌّ عَلَى طَلَبِ النَّجَاةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَرَأَ بِشْرُ بْنُ عُبَيْدٍ: وَمَا نَسْأَلُهُمْ بِالنُّونِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لِفَرْطِ كُفْرِهِمْ يَمُرُّونَ عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا لِلْإِيمَانِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِمْ، وَأَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ هِيَ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَفِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ وَتَقَدَّمَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وكأين. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ كَانَ فَهُوَ كَائِنٌ وَمَعْنَاهَا مَعْنَى كَمْ فِي التَّكْثِيرِ انْتَهَى. وَهَذَا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ يُونُسَ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ فِي النَّحْوِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَمِنْ أَيْ، وَتَلَاعَبَتِ الْعَرَبُ بِهِ فَجَاءَتْ بِهِ لُغَاتٌ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْلَوَامِحِ أَنَّ الْحَسَنَ قَرَأَ وَكَيِ بِيَاءٍ مَكْسُورَةٍ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ وَلَا أَلِفٍ وَلَا تَشْدِيدٍ، وَجَاءَ كَذَلِكَ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، فَهِيَ لُغَةٌ انْتَهَى. مِنْ آيَةٍ عَلَامَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَصِدْقِ مَا جِيءَ بِهِ عَنْهُ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَعَمْرُو بْنُ قائد: وَالْأَرْضُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ. وَمَعْنَى يَمُرُّونَ عَلَيْهَا فَيُشَاهِدُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَقَرَأَ السُّدِّيُّ:

وَالْأَرْضَ بِالنَّصْبِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ أَيْ: وَيَطْوُونَ الْأَرْضَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا عَلَى آيَاتِهَا، وَمَا أَوْدَعَ فِيهَا مِنَ الدَّلَالَاتِ. وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهَا وَعَنْهَا فِي هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ يَعُودُ عَلَى الْأَرْضِ، وَفِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَهِيَ بِجَرِّ الْأَرْضِ، يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى آيَةٍ أَيْ: يَمُرُّونَ عَلَى تِلْكَ الْآيَاتِ وَيُشَاهِدُونَ تِلْكَ الدَّلَالَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَبِرُونَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالْأَرْضُ بِرَفْعِ


(١) سورة القصص: ٢٨/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>