للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشْرِكِينَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ. حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ: لَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَوَفَّنِي مُسْلِماً «١» وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ «٢» دَالًّا عَلَى أنه حارص عَلَى إِيمَانِهِمْ، مُجْتَهِدٌ فِي ذَلِكَ، دَاعٍ إِلَيْهِ، مُثَابِرٌ عليه. وذكر وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ «٣» أَشَارَ إِلَى مَا فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانُ، وَتَوْحِيدُ اللَّهِ. فَقَالَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ وَالدَّعْوَةُ طَرِيقِي الَّتِي سَلَكْتُهَا وَأَنَا عَلَيْهَا، ثُمَّ فَسَّرَ تِلْكَ السَّبِيلَ فَقَالَ:

أَدْعُو إِلَى اللَّهِ يَعْنِي: لَا إِلَى غَيْرِهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ صَنَمٍ، إِنَّمَا دُعَائِي إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبِيلِي أَيْ دَعْوَتِي. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: صَلَاتِي، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: سُنَّتِي، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْجُمْهُورُ: دِينِي.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: قُلْ هَذَا سَبِيلِي عَلَى التَّذْكِيرِ. وَالسَّبِيلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَمَفْعُولُ أَدْعُو هُوَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أَدْعُو النَّاسَ. وَالظَّاهِرُ تعلق على بصيرة بأدعو، وأنا تَوْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ فِي أَدْعُو، وَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الضَّمِيرِ وَالْمَعْنَى: أَدْعُو أَنَا إِلَيْهَا مَنِ اتَّبَعَنِي.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بصيرة خبرا مقدما، وأنا مُبْتَدَأٌ، وَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ أَدْعُو، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَيَكُونُ أَنَا فَاعِلًا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ النَّائِبِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَمَنِ اتَّبَعَنِي مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَا. وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ: وَمَنِ اتَّبَعَنِي مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ أَيْ: دَاعٍ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَمَعْنَى بَصِيرَةٍ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ وَبُرْهَانٌ مُتَيَقِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ «٤» وَسُبْحَانَ اللَّهِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ قُلْ: أَيْ قُلْ، وَتَبْرِئَةُ اللَّهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَيْ: بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ. وَلَمَّا أَمَرَ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَدْعُو هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ يُنَزِّهُ اللَّهَ عَنِ الشُّرَكَاءِ، أَمَرَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مُنْتَفٍ عَنِ الشِّرْكِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَشْرَكَ. وَهُوَ نَفْيٌ عَامٌّ فِي الْأَزْمَانِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ. إِلَّا رِجَالًا حَصَرَ فِي الرُّسُلِ دُعَاةً إِلَى اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ مَلَكًا. وَهَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً «٥»


(١) سورة يوسف: ١٢/ ١٠١.
(٢) سورة يوسف: ١٢/ ١٠٣.
(٣) سورة يوسف: ١٢/ ١٠٤.
(٤) سورة الأنعام: ٦/ ١٠٤.
(٥) سورة فصلت: ٤١/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>