بِنَصْبِ يَغْفِرَ بِإِضْمَارِ أَنَّ بَعْدَ الْفَاءِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَدَاةُ الشَّرْطِ جَازِمَةً، أَوْ غَيْرَ جَازِمَةٍ. وَقَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ السَّمَيْقَعِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِيسَى، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: فَنَجَى، جَعَلُوهُ فِعْلًا مَاضِيًا مُخَفَّفَ الْجِيمِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: وَقَرَأْتُ لِابْنِ مُحَيْصِنٍ فَنَجَّى بِشَدِّ الْجِيمِ فِعْلًا مَاضِيًا عَلَى مَعْنَى فَنَجَّى النَّصْرَ. وَذَكَرَ الدَّانِيُّ أَنَّ الْمَصَاحِفَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى كَتْبِهَا بِنُونٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي التَّحْبِيرِ أَنَّ الْحَسَنَ قَرَأَ فَنُنَجِّي بِنُونَيْنِ، الثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ، وَالْجِيمُ مُشَدَّدَةٌ، وَالْيَاءُ سَاكِنَةٌ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ: مِنَ يَشَاءُ بِالْيَاءِ أَيْ: فَنُجِّيَ مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ نَجَاتَهُ. ومن يَشَاءُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِقَوْلِهِ: وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَالْبَأْسُ هُنَا الْهَلَاكُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بَأْسُهُ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ أَيْ: بَأْسُ اللَّهِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِيهَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ لِمُعَاصِرِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: الضَّمِيرُ فِي قَصَصِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الرُّسُلِ، أَوْ عَلَى يُوسُفَ وَأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ، أَوْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الرُّسُلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
الْأَوَّلُ: اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: وَيَنْصُرُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ قِصَصَهُمْ بِكَسْرِ الْقَافِ انْتَهَى.
وَلَا يَنْصُرُهُ إِذْ قَصَصُ يُوسُفَ وَأَبِيهِ وَأُخْوَتِهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى قِصَصٍ كَثِيرَةٍ وَأَنْبَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَالَّذِي قَرَأَ بِكَسْرِ الْقَافِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَالْقَصَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو جمع قِصَّةٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَطِيَّةَ الثَّالِثَ، بَلْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ. وَالْعِبْرَةُ الدَّلَالَةُ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْعِلْمِ. وَإِذَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ، فَالِاعْتِبَارُ بِقَصَصِهِمْ مِنْ وُجُوهِ إِعْزَازِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ إِلْقَائِهِ فِي الْجُبِّ، وَإِعْلَاؤُهُ بَعْدَ حَبْسِهِ فِي السِّجْنِ، وَتَمَلُّكُهُ مِصْرَ بَعْدَ اسْتِعْبَادِهِ، وَاجْتِمَاعُهُ مَعَ وَالِدَيْهِ وَإِخْوَتِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ بَعْدَ الْفُرْقَةِ الطَّوِيلَةِ. وَالْإِخْبَارُ بِهَذَا الْقَصَصِ إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ، وَالْإِعْلَامِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالٍ وَلَا يَجُولُ فِي فِكْرٍ. وَإِنَّمَا خُصَّ أُولُو الْأَلْبَابِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْعِبَرِ، وَمَنْ لَهُ لُبٌّ وَأَجَادَ النَّظَرَ، وَرَأَى مَا فِيهَا مِنِ امْتِحَانٍ وَلُطْفٍ وَإِحْسَانٍ، عَلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْمَ كَانَ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى الْقَصَصِ أَيْ: مَا كَانَ الْقَصَصُ حَدِيثًا مختلقا، بَلْ هُوَ حَدِيثُ صِدْقٍ نَاطِقٌ بِالْحَقِّ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْكُتُبَ، وَلَا تَتَلْمَذَ لِأَحَدٍ، وَلَا خَالَطَ الْعُلَمَاءَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَفْتَرِيَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِحَيْثُ تُطَابِقُ مَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ أَيْ: مَا كَانَ الْقُرْآنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute