للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَابِ، فَتِلْكَ لَيْسَتْ تَغْيِيرًا انْتَهَى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ وَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»

وَقِيلَ: هَذَا يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ «١» فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا ينزل بهم عذاب الاستئصال إِلَّا وَالْمَعْلُومُ مِنْهُمُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، إِلَّا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ، أَوْ فِي عَقِبِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يُنْزِلُ بِهِمْ عذاب الاستئصال. وما مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا بِقَوْمٍ، وَكَذَا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. وَفِي مَا إِبْهَامٌ لَا يَتَغَيَّرُ الْمُرَادُ مِنْهَا: إِلَّا بِسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَاعْتِقَادِ مَحْذُوفٍ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ مِنْ نِعْمَةٍ وَخَيْرٍ إِلَى ضِدِّ ذَلِكَ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ إِلَى تَوَالِي معصيته.

والسوء يجمع على كُلَّ مَا يَسُوءُ مِنْ مَرَضٍ وَخَيْرٍ وَعَذَابٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاءِ. وَلَمَّا كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي الِانْتِقَامِ مِنَ الْعُصَاةِ اقْتَصَرَ على قوله: سوء، وَإِلَّا فَالسُّوءُ وَالْخَيْرُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْهَا فَلَا مَرَدَّ لَهُ، فَذَكَرَ السُّوءَ مُبَالَغَةً فِي التَّخْوِيفِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ وال من ملجأ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِمَّنْ يَلِي أَمْرَهُمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ. وَقِيلَ: مِنْ نَاصَرٍ يَمْنَعُ مِنْ عَذَابِهِ.

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ: لَمَّا خَوَّفَ تَعَالَى الْعِبَادَ بقوله تعالى: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ «٢» أَتْبَعَهُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أُمُورٍ دَالَّةٍ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحِكْمَتِهِ تُشْبِهُ النِّعَمَ مِنْ وَجْهٍ، وَالنِّقَمَ مِنْ وَجْهٍ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَرْقِ وَالرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ وَالسَّحَابِ فِي الْبَقَرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: خَوْفًا مِنَ الصَّوَاعِقِ، وَطَمَعًا فِي الْغَيْثِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ مِنْ أَذَى الْمَطَرِ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ فِي نَفْعِهِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ وَهُوَ: خَوْفًا لِلْبَلَدِ الَّذِي يَخَافُ ضَرَرَ الْمَطَرِ لَهُ، وَطَمَعًا لِمَنْ يَرْجُو الِانْتِفَاعَ بِهِ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ، وَطَمَعًا فِي الثَّوَابِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ كَنَّى بِالْبَرْقِ عَنِ الْمَاءِ، لَمَّا كَانَ الْمَطَرُ يُقَارِبُهُ غَالِبًا وَذَلِكَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الشَّيْءِ مَجَازًا عَلَى مَا يُقَارِبُهُ غَالِبًا. قَالَ الْحَوْفِيُّ: خَوْفًا وَطَمَعًا مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ، وَجَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ: خَائِفِينَ وَطَامِعِينَ، قَالَ: وَمَعْنَى الْخَوْفِ


(١) سورة الرعد: ١٣/ ٦.
(٢) سورة الرعد: ١٣/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>