للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. وَخَصَّ هَذَانِ الْوَقْتَانِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الظِّلَالَ إِنَّمَا تُعَظَّمُ وَتَكْثُرُ فِيهِمَا، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْغُدُوِّ وَالْآصَالِ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ «١»

رُوِيَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا سَجَدَ لِصَنَمِهِ كَانَ ظِلُّهُ يَسْجُدُ لِلَّهِ حِينَئِذٍ.

وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ: وَالْإِيصَالُ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هُوَ مَصْدَرُ أَصْلٍ أَيْ: دَخَلَ فِي الْأَصِيلِ كَمَا تَقُولُ: أَصْبَحَ أَيْ دَخَلَ فِي الْإِصْبَاحِ. وَلَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَنِ أَمْرٍ وَاضِحٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْهُ أَحَدٌ، كَانَ جَوَابُهُ مِنَ السَّائِلِ، فَكَانَ السَّبْقُ إِلَيْهِ أَفْصَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ إِلَيْهِمْ وَأَسْرَعُ فِي قَطْعِهِمْ فِي انْتِظَارِ الْجَوَابِ مِنْهُمْ، إِذْ لَا جَوَابَ إِلَّا هَذَا الَّذِي وَقَعَتِ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ «٢» وَيَبْعُدُ مَا قَالَ مَكِّيٌّ مِنْ أَنَّهُمْ جهلوا الجواب فطلبوه من جِهَةِ السَّائِلِ فَأَعْلَمَهُمْ بِهِ السَّائِلُ، لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «٣» فَإِذَا كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ منشىء السموات وَالْأَرْضِ وَمُخْتَرِعَهَا هُوَ اللَّهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ: بِأَنَّهُمْ جَهِلُوا الْجَوَابَ فَطَلَبُوهُ مِنَ السَّائِلِ؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قُلِ اللَّهُ حكاية لاعترافهم تأكيد لَهُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهُمْ: مَنْ رَبُّ السموات وَالْأَرْضِ؟ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: اللَّهُ، كَقَوْلِهِ قُلْ مَنْ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سيقولون الله «٤» وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْمُنَاظِرُ لِصَاحِبِهِ: أَهَذَا قَوْلُكَ؟ فَإِذَا قَالَ:

هَذَا قَوْلِي، قَالَ: هَذَا قَوْلُكَ، فَيَحْكِي إِقْرَارَهُ تَقْرِيرًا عَلَيْهِ وَاسْتِئْنَافًا مِنْهُ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: فَيَلْزَمُكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَيْتَ وَكَيْتَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَلْقِينًا أَيْ: إِنْ كَفُّوا عَنِ الْجَوَابِ فَلَقَّنَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَتَلَقَّنُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُنْكِرُوهُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْكُفَّارِ مَنْ رب السموات وَالْأَرْضِ؟ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَاسْتِنْطَاقٍ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا قُلِ: اللَّهُ، أَيْ هُوَ كَمَا قُلْتُمْ. وَقِيلَ: فَإِنْ أَجَابُوكَ وَإِلَّا قُلِ: اللَّهُ، إِذْ لَا جَوَابَ غَيْرُ هَذَا انْتَهَى. وَهُوَ تَلْخِيصُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ عَطَفُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: أَجِبْ أَنْتَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ فَقَالَ: قُلِ اللَّهُ انْتَهَى. وَاسْتَفْهَمَ بِقَوْلِهِ: قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ؟

عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ، أَيْ: بَعْدَ أَنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ رَبُّ السموات وَالْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وَتَتْرُكُونَهُ، فَجَعَلْتُمْ مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلتَّوْحِيدِ مِنْ عِلْمِكُمْ وَإِقْرَارِكُمْ سَبَبًا لِلْإِشْرَاكِ، ثُمَّ وَصَفَ تِلْكَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِفَةِ الْعَجْزِ وَهِيَ كَوْنُهَا لَا تملك لانفسها


(١) سورة الأعراف: ٧/ ٢٠٥.
(٢) سورة سبأ: ٣٤/ ٢٤.
(٣) سورة لقمان: ٣١/ ٢٥.
(٤) سورة المؤمنون: ٢٣/ ٨٦- ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>