مَحْذُوفٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: جَنَّاتُ، وَالنَّخْعِيُّ: جَنَّةُ بِالْإِفْرَادِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو: يُدْخَلُونَهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: وَمَنْ صَلَحَ بِضَمِّ اللَّامِ، وَالْجُمْهُورُ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ أَفْصَحُ. وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ: وَذُرِّيَّتَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ، وَالْجُمْهُورُ بِالْجَمْعِ. وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَرَ: فَنَعِمَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْأَصْلُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
نَعِمَ السَّاعُونَ فِي الْيَوْمِ الشُّطُرِ وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ: فَنَعْمَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ العين، وتخفيف فعل لُغَةٌ تَمِيمِيَّمَةٌ، وَالْجُمْهُورُ نِعْمَ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: وَمَنْ صَلَحَ أَيْ عَمَلَ صَالِحًا وَآمَنَ انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ النَّسَبِ مِنَ الصَّالِحِ لَا يَنْفَعُ، إِنَّمَا تَنْفَعُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَحَ أَيْ لِذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَابِقِ عِلْمِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا الصَّلَاحُ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِنِعْمَةِ اجْتِمَاعِهِمْ مَعَ قَرَابَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يَدْخُلُونَهَا وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَفْعُولِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ أَيْ: يَدْخُلُونَهَا مَعَ مَنْ صَلَحَ.
وَيَشْتَمِلُ قوله: من آبائهم، أبوي كُلِّ وَاحِدٍ وَالِدُهُ وَوَالِدَتُهُ، وَغَلَبَ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ. وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَيْ:
بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَكْرِمَةً لَهُمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: هَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَعْمَالٍ تُشِيرُ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، مَنْ عَمِلَهَا دَخَلَهَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ. قَالَ الْأَصَمُّ: نَحْوَ هَذَا قَالَ: مِنْ كُلِّ بَابٍ بَابُ الصَّلَاةِ، وَبَابُ الزَّكَاةِ، وَبَابُ الصَّبْرِ. وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ كَلَامٌ عَجِيبٌ فِي الْمَلَائِكَةِ ذَكَرَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ رُوحَانِيُّونَ، وَمِنْهُمْ كَرُوبِيُّونَ، فَالْعَبْدُ إِذَا رَاضَ نَفْسَهُ بِأَنْوَاعِ الرِّيَاضَاتِ كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ، فَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ جَوْهَرٌ قُدْسِيٌّ وَرُوحٌ عُلْوِيٌّ يُحْفَظُ لِتِلْكَ الصِّفَةِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ، فَعِنْدَ الْمَوْتِ إِذَا أَشْرَقَتْ تِلْكَ الْجَوَاهِرُ الْقُدْسِيَّةُ تَجَلَّتْ فِيهَا مِنْ كُلِّ رُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَائِيَّةِ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الصِّفَةِ الْمَخْصُوصَةِ، فَيَفِيضُ عَلَيْهَا مِنْ مَلَائِكَةِ الصَّبْرِ كَمَالَاتٌ مَخْصُوصَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ لَا تَظْهَرُ إِلَّا فِي مَقَامِ الصَّبْرِ، وَمِنْ مَلَائِكَةِ الشُّكْرِ كَمَالَاتٌ رُوحَانِيَّةٌ لَا تَتَجَلَّى إِلَّا فِي مَقَامِ الشُّكْرِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامٌ فَلْسَفِيٌّ لَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ، وَلَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَهُوَ كَلَامٌ مُطْرَحٌ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَحَكَى الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صِفَةِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ أَحَادِيثَ لَمْ نُطَوِّلْ بِهَا لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute