وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أَعْدَلُ وَأَمْضَى قَوْلًا وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظَةُ شَهِيدًا، وَيُرَادُ بِذَلِكَ اللَّهُ تعالى. وقرىء: وَبِمَنْ بِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَى مَنْ عَطْفًا عَلَى بِاللَّهِ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَأُبَيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ وَالضَّحَّاكُ وَسَالِمُ بْنُ عبد الله بن عمرو بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَكَمُ، وَالْأَعْمَشُ: وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ بِجَعْلِ مِنْ حَرْفُ جَرٍّ، وَجُرَّ مَا بَعْدَهُ بِهِ، وَارْتِفَاعُ عِلْمُ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ أَيْضًا وَابْنُ السَّمَيْقَعِ، وَالْحَسَنُ بِخِلَافٍ عَنْهُ.
وَمَنْ عِنْدَهُ بِجَعْلِ مِنْ حَرْفُ جَرٍّ عِلْمُ الْكِتَابِ، بِجَعْلِ عُلِمَ فعلا مبنيا للمفعول، والكتاب رفع به. وقرىء وَمَنْ عِنْدَهُ بِحَرْفِ جَرٍّ عِلْمُ الْكِتَابِ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَالضَّمِيرُ فِي عِنْدِهِ فِي هَذِهِ الْقِرَاآتِ الثَّلَاثِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا عِنْدَهُ صِلَةً يَرْتَفِعُ الْعِلْمُ بِالْمُقَدَّرِ فِي الظَّرْفِ فَيَكُونُ فَاعِلًا، لِأَنَّ الظَّرْفَ إِذَا وَقَعَ صلة أو غل فِي شَبَهِ الْفِعْلِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْمَوْصُولِ، فَعَمِلَ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِالَّذِي فِي الدَّارِ أَخُوهُ، فَأَخُوهُ فَاعِلٌ، كَمَا تَقُولُ: بِالَّذِي اسْتَقَرَّ فِي الدَّارِ أَخُوهُ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّحَتُّمِ، لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ إِذَا وَقَعَا صِلَتَيْنِ أَوْ حَالَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ، إِمَّا فِي الْأَصْلِ، وَإِمَّا فِي النَّاسِخِ، أَوْ تَقَدَّمَهُمَا أَدَاةُ نَفْيٍ، أَوِ اسْتِفْهَامٍ، جَازَ فِيمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الِاسْمِ الظَّاهِرِ أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَى الْفَاعِلِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَرْفُوعُ مُبْتَدَأً، وَالظَّرْفُ أَوِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِهِ، وَالْجُمْلَةُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ صِلَةٌ أَوْ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ أَوْ خَبَرٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ. فَكَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ إِعْمَالَهُ فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي مَا نَابَ عَنْهُ مِنْ ظَرْفٍ أَوْ مَجْرُورٍ. وَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى إِجَازَةِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسَنٌ وَجْهُهُ، فَأَجَازَ حَسَنٌ وَجْهُهُ عَلَى رَفْعِ حَسَنٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَهَكَذَا تَلَقَّفْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنِ الشُّيُوخِ. وَقَدْ يُتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّشْأَةِ فِي النَّحْوِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِذَا اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ يَتَحَتَّمُ إِعْمَالُهُ فِي الظَّاهِرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ أَعْرَبَ الْحَوْفِيُّ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا فِي صِلَةِ مَنْ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا يَعْنِي عِنْدَهُ، وَالْمُبْتَدَأُ عِلْمُ الْكِتَابِ انْتَهَى. وَمَنْ قَرَأَ: وَمَنْ عِنْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ حَرْفُ جَرٍّ فَالْكِتَابُ فِي قِرَاءَتِهِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ عَلِمَ الْكِتَابَ، أَوْ عُلِمَ الْكِتَابُ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ، أَيْ: عَلِمْتُ مَعَانِيَهُ وَكَوْنُهُ أَعْظَمَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاقِي عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ، فَتَشْرِيفُ الْعَبْدِ بِعُلُومِ الْقُرْآنِ إِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ وَتَوْفِيقِهِ عَلَى كَوْنِهِ مُعْجِزًا، وَتَوْفِيقِهِ لِإِدْرَاكِ ذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute