الْحَسَنَةُ وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَيُصِدُّونَ مُضَارِعُ أَصَدَّ، الدَّاخِلِ عَلَيْهِ هَمْزَةُ النَّقْلِ مِنْ صَدَّ اللَّازِمِ صُدُودًا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَبْغُونَها عِوَجاً «١» فِي آلِ عِمْرَانَ، وَعَلَى وَصْفِ الضَّلَالِ بِالْبُعْدِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا: مَا بَالُ الْكُتُبِ كُلِّهَا أَعْجَمِيَّةٌ وَهَذَا عَرَبِيٌّ؟ فَنَزَلَتْ. وَسَاقَ قِصَّةَ مُوسَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ بِلِسَانِهِ، أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، كَمَا أَرْسَلَكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ، الْعُمُومُ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. فَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ عَامَّةً لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، أَوِ انْدَرَجَ فِي اتِّبَاعِ ذَلِكَ الرَّسُولِ مَنْ لَيْسَ مِنْ قَوْمِهِ، كَانَ مَنْ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ لُغَةَ ذَلِكَ النَّبِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى تَعَلُّمِ تِلْكَ اللُّغَةِ حَتَّى يَفْهَمَهَا، وَأَنْ يَرْجِعَ فِي تَفْسِيرِهَا إِلَى مَنْ يَعْلَمُهَا. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ قَبْلَكَ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ، وَأَنْتَ أَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ كَافَّةً بِلِسَانِ قَوْمِكَ، وَقَوْمُكَ يُتَرْجِمُونَ لِغَيْرِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَمَعْنَى بِلِسَانِ قَوْمِهِ: بِلُغَةِ قَوْمِهِ.
وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ، وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: بِلِسْنِ بِإِسْكَانِ السِّينِ، قَالُوا:
هُوَ كَالرِّيشِ وَالرِّيَاشِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْلَوَامِحِ: وَاللِّسْنُ خَاصٌّ بِاللُّغَةِ، وَاللِّسَانُ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْعُضْوِ، وَعَلَى الْكَلَامِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: اللِّسَانُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ اللُّغَةُ، وَيُقَالُ: لِسْنٌ وَلِسَانٌ فِي اللُّغَةِ، فَأَمَّا الْعُضْوُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ لِسْنٌ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَالْجَحْدَرِيُّ: لُسُنِ بِضَمِّ اللَّامِ وَالسِّينِ، وَهُوَ جَمْعُ لسان كعماد وعمد. وقرىء أَيْضًا بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ السِّينِ مُخَفَّفٌ كَرُسُلٍ وَرُسْلٍ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْمِهِ عَائِدٌ عَلَى رَسُولٍ أَيْ: قَوْمِ ذَلِكَ الرَّسُولِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَالضَّمِيرُ فِي قَوْمِهِ عَائِدٌ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالْكُتُبُ كُلُّهَا نَزَلَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ أَدَّاهَا كُلُّ نَبِيٍّ بِلُغَةِ قَوْمِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، ضَمِيرُ الْقَوْمِ وَهُمُ الْعَرَبُ، فَيُؤَدِّي إِلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ مِنَ السَّمَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِيُبَيِّنَ لِلْعَرَبِ، وَهَذَا مَعْنًى فَاسِدٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: جَمِيعُ الْكُتُبِ أُدَّتْ إِلَى جِبْرِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَأْتِيَ رَسُولَ كُلِّ قَوْمٍ بِلُغَتِهِمْ. وَأَوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا سُؤَالًا وَابْنُ عَطِيَّةَ أَخَّرَهُمَا فِي كِتَابَيْهِمَا، وَيَقُولُ: قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الْبَشَرِ بِإِذْعَانِ الْفُصَحَاءِ الذين يظن
(١) سورة الأعراف: ٧/ ٤٥ وآل عمران: ٣/ ٩٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute