أَنَسٌ: كُلْ يَا أَبَا الْعَالِيَةِ، فَإِنَّهَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ قَالَ: أُتِيَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاعِ بُسْرٍ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نحو هذا.
وقال لزمخشري: كُلُّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ طَيِّبَةِ الثِّمَارِ كَالنَّخْلَةِ، وَشَجَرَةِ التِّينِ، وَالْعِنَبِ، وَالرُّمَّانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَدْ شَبَّهَ الرَّسُولُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِالْأُتْرُجَّةِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُشَبَّهَ أَيْضًا بِشَجَرَتِهَا. أَصْلُهَا ثَابِتٌ أَيْ: فِي الْأَرْضِ ضَارِبٌ بِعُرُوقِهِ فِيهَا. وَقَرَأَ نس بْنُ مَالِكٍ: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ثَابِتٌ أَصْلُهَا، أُجْرِيَتِ الصِّفَةُ عَلَى الشَّجَرَةِ لَفْظًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ لِلسَّبَبِيِّ. وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا إِسْنَادُ الثُّبُوتِ إِلَى السَّبَبِيِّ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِيهَا حُسْنُ التَّقْسِيمِ، إِذْ جَاءَ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، يُرِيدُ بِالْفَرْعِ أَعْلَاهَا وَرَأَسَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ ذَا فُرُوعٍ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِلَفْظِ الْجِنْسِ. وَمَعْنَى فِي السَّمَاءِ: جِهَةُ الْعُلُوِّ وَالصُّعُودِ لَا الْمِظَلَّةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ ذِرَاعًا»
وَلَمَّا شُبِّهَتِ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ كَانَتِ الْكَلِمَةُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْهَا مِنَ الْأَفْعَالِ الزَّكِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ هُوَ فَرْعُهَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «١» وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَهُوَ ثَوَابُ اللَّهِ هُوَ جَنَاهَا، وَوَصَفَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ بِأَرْبَعَةِ أَوْصَافٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: طَيِّبَةٍ، أَيْ كَرِيمَةِ الْمَنْبَتِ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّجَرَةِ لَهُ لَذَّةٌ فِي الْمَطْعَمِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
طَيِّبُ الْبَاءَةِ سَهْلٌ وَلَهُمْ ... سُبُلٌ إِنْ شِئْتَ فِي وَحْشٍ وَعْرِ
أَيْ سَاحَتُهُمْ سَهْلَةٌ طَيِّبَةٌ. الثَّانِي: رُسُوخُ أَصْلِهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِهَا، وَأَنَّ الرِّيَاحَ لَا تَقْصِفُهَا، فَهِيَ بَطِيئَةُ الْفَنَاءِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ حَصَلَ الْفَرَحُ بِوِجْدَانِهِ. وَالثَّالِثُ: عُلُوُّ فَرْعِهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الشَّجَرَةِ وَرُسُوخِ عُرُوقِهَا، وَعَلَى بُعْدِهَا عَنْ عُفُونَاتِ الْأَرْضِ، وَعَلَى صَفَائِهَا مِنَ الشَّوَائِبِ. الرَّابِعُ: دَيْمُومَةُ وُجُودِ ثَمَرَتِهَا وَحُضُورُهَا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ. وَالْحِينُ فِي اللُّغَةِ قِطْعَةٌ مِنَ الزَّمَانِ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَنَاذَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سُمِّهَا ... تُطْلِقُهُ حِينًا وَحِينًا تُرَاجِعُ
وَالْمَعْنَى: تُعْطِي جَنَاهَا كُلَّ وَقْتٌ وَقَّتَهُ اللَّهُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ،
(١) سورة فاطر: ٣٥/ ١٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute