للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَأَنْكَرَ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَقَالَ: إن فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: وَلِأَبَوِيَّ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: وَلِوُلْدَيَّ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ وَلَدٍ كَأَسُدٍ فِي أَسَدٍ، ويكون قد دعا لذريته، وَأَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي الْوَلَدِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَيْتَ زِيَادًا كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ... وَلَيْتَ زِيَادًا كَانَ وَلَدَ حِمَارٍ

كَمَا قَالُوا: الْعَدَمُ وَالْعُدْمُ. وَقَرَأَ ابْنُ جُبَيْرٍ: وَلِوَالِدِي بِإِسْكَانِ الْيَاءِ عَلَى الْإِفْرَادِ كَقَوْلِهِ:

وَاغْفِرْ لِأَبِي، وَقِيَامُ الْحِسَابِ مَجَازٌ. عَنْ وُقُوعِهِ وَثُبُوتِهِ كَمَا يُقَالُ: قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: أَهْلِ الْحِسَابِ كما قال: يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «١» .

وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ: الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ، لِلسَّامِعِ الَّذِي يُمْكِنُ مِنْهُ حُسْبَانُ مِثْلِ هَذَا لِجَهْلِهِ بِصِفَاتِ اللَّهِ، لا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعِيدٌ عَظِيمٌ لِلظَّالِمِينَ، وَتَسْلِيَةٌ لِلْمَظْلُومِينَ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ: وَلَا تَحْسَبْ بِغَيْرِ نُونِ التَّوْكِيدِ، وَكَذَا فَلَا تَحْسَبِ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ حُسْبَانِهِ غَافِلًا الْإِيذَانُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا يَفْعَلُ الظَّالِمُونَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ مُعَاقِبُهُمْ عَلَى قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ «٢» يُرِيدُ الْوَعِيدَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ: وَلَا تَحْسَبَنَّهُ، يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْغَافِلِ عَمَّا يَعْمَلُونَ، وَلَكِنْ مُعَامَلَةَ الرَّقِيبِ عَلَيْهِمُ الْمُحَاسِبِ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ، وَالْأَعْرَجُ، وَالْمُفَضَّلُ، عَنْ عَاصِمٍ وَعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ، وَهَارُونَ الْعَتَكِيِّ، وَيُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي عُمَرَ: وَنُؤَخِّرُهُمْ بِنُونِ الْعَظْمَةِ، وَالْجُمْهُورُ بِالْيَاءِ أَيْ: يُؤَخِّرُهُمُ اللَّهُ. مُهْطِعِينَ مُسْرِعِينَ، قَالَهُ:

ابْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ. وَذَلِكَ بِذِلَّة وَاسْتِكَانَةٍ كَإِسْرَاعِ الْأَسِيرِ وَالْخَائِفِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الضُّحَى: شَدِيدِي النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْرُقُوا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: غير رافعي رؤوسهم. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَدَّ يَمِينِ النَّظَرِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مُقْبِلِينَ للإصغاء، وأنشد:

بِدِجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ ... بِدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاعِ

وَقَالَ الحسن: مقنعي رؤوسهم وُجُوهُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَى السَّمَاءِ، لَا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَوَاءٌ صُفْرٌ مِنَ الْخَيْرِ خَاوِيَةٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَوْفٌ لا عقول


(١) سورة المطففين: ٨٣/ ٦.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>