مَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أن الشَّيَاطِينَ تَقْرُبُ مِنَ السَّمَاءِ أَفْوَاجًا فَيَنْفَرِدُ الْمَارِدُ مِنْهَا فَيَسْتَمِعُ، فَيَرْمِي بِالشِّهَابِ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ. وَهُوَ يَلْتَهِبُ: إِنَّهُ الْأَمْرُ كَذَا وَكَذَا، فَتَزِيدُ الشَّيَاطِينُ فِي ذَلِكَ وَيُلْقُونَ إِلَى الْكَهَنَةِ فَيَزِيدُونَ عَلَى الْكَلِمَةِ مِائَةَ كَلِمَةٍ»
وَنَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الشُّهُبَ تَخْرُجُ وَتُؤْذِي، وَلَا تَقْتُلُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَقْتُلُ.
وَفِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَكِنَّهُ اشْتَدَّ فِي وَقْتِ الْإِسْلَامِ.
وَحُفِظَتِ السَّمَاءُ حِفْظًا تَامًّا.
وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا لَا يُحْجَبُونَ عَنِ السموات، فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى مُنِعُوا من ثلاث سموات، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا من السموات كُلِّهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ، اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ وَالْمَعْنَى: فَإِنَّهَا لَمْ تُحْفَظْ مِنْهُ، ذَكَرَهُ الزَّهْرَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ خَبَرِهَا شَيْئًا وَأَلْقَاهُ إِلَى الشَّيَاطِينِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا حُفِظَتْ مِنْهُ، وَعَلَى كِلَا التقديرين فمن فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: مَنْ بَدَلٌ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: حر عَلَى الْبَدَلِ أَيْ: إِلَّا مِمَّنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ.
وَهَذَا الْإِعْرَابُ غَيْرُ سَائِغٍ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُوجَبٌ، فَلَا يُمْكِنُ التَّفْرِيغُ، فَلَا يَكُونُ بَدَلًا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ نَعْتًا عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفَأَتْبَعَهُ الْخَبَرُ. وَجَازَ دُخُولُ الْفَاءِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَنْ بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ شَرْطٌ انْتَهَى. وَالِاسْتِرَاقُ افْتِعَالٌ مِنَ السَّرِقَةِ، وَهِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِخُفْيَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَخْطِفَ الْكَلَامَ خَطْفَةً يَسِيرَةً. وَالسَّمْعُ الْمَسْمُوعُ، وَمَعْنَى مُبِينٍ: ظَاهِرٌ لِلْمُبْصِرِينَ.
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ: مَدَدْنَاهَا بَسَطْنَاهَا لِيَحْصُلَ بِهَا الِانْتِفَاعُ لِمَنْ حَلَّهَا. قَالَ الْحَسَنُ: أَخَذَ اللَّهُ طِينَةً فَقَالَ لَهَا: انْبَسِطِي فَانْبَسَطَتْ. وَقِيلَ: بُسِطَتْ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، كَانَ النَّصْبُ عَلَى الِاشْتِغَالِ أَرْجَحَ مِنَ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، فَلِذَلِكَ نَصَبَ وَالْأَرْضَ. وَالرَّوَاسِي: الْجِبَالُ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ تَتَكَفَّأُ بِأَهْلِهَا كَمَا تَتَكَفَّأُ السَّفِينَةُ فَثَبَّتَهَا اللَّهُ بِالْجِبَالِ»
ومن فِي مِنْ كُلِّ لِلتَّبْعِيضِ، وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ هِيَ زَائِدَةٌ أَيْ كُلِّ شَيْءٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي فِيهَا يَعُودُ عَلَى الْأَرْضِ الْمَمْدُودَةِ، وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْجِبَالِ، وَقِيلَ: عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَرْضِ مَعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ،