لِآدَمَ، وَالتَّزْيِينِ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ، فَأَنَا عَلَى التَّزْيِينِ لِأَوْلَادِهِ أَقْدَرُ. أَوْ أَرَادَ لأجعلن مكان التزين عندهم الأرض، ولأرفعن رتبني فِيهَا أَيْ: لَأُزَيِّنَّهَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَلَأُحَدِّثَنَّهُمْ بِأَنَّ الزِّينَةَ فِي الدُّنْيَا وَحْدَهَا حَتَّى يَسْتَحِبُّوهَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَطْمَئِنُّوا إِلَيْهَا دُونَهَا، وَنَحْوَهُ: يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نُصَلِّي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَإِلَّا عِبَادَكَ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ، إِذِ الْمُخْلَصُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَاوِينَ قَلِيلٌ، وَاسْتِثْنَاؤُهُمْ إِبْلِيسُ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ تَزْيِينَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَلَالَةِ هَذَا الْوَصْفِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مَا اتَّصَفَ بِهِ الطَّائِعُ.
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ، وَنَافِعٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْأَعْرَجُ: بِفَتْحِ اللَّامِ، وَمَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ أَخْلَصْتَهُ لِلطَّاعَةِ أَنْتَ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ تَزْيِينِي. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَالْجُمْهُورُ: بِكَسْرِهَا أَيْ: إِلَّا مَنْ أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ وَلَمْ يُشْرِكْ فيه غيره. ولا راءى بِهِ، وَالْفَاعِلُ لَقَالَ اللَّهُ أَيْ: قَالَ اللَّهُ.
وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْمُخْلَصِينَ مِنَ الْمَصْدَرِ أَيِ: الْإِخْلَاصُ الَّذِي يَكُونُ فِي عِبَادِي هُوَ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ لَا يَسْلُكُهُ أَحَدٌ فَيَضِلُّ أَوْ يَزِلُّ، لِأَنَّ مَنِ اصْطَفَيْتُهُ أَوْ أَخْلَصَ لِي الْعَمَلَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَمَّا قَسَّمَ إِبْلِيسُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ إِلَى غَاوٍ وَمُخْلَصٍ قَالَ تَعَالَى: هَذَا أَمْرٌ مَصِيرُهُ إِلَيَّ، وَوَصَفَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ، أَيْ: هُوَ حَقٌّ، وَصَيْرُورَتُهُمْ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَيْسَتْ لَكَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: طَرِيقُكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ عَلَى فُلَانٍ أَيْ: إِلَيْهِ يَصِيرُ النَّظَرُ فِي أَمْرِكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا طَرِيقٌ حَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أُرَاعِيَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عِبَادِي، إِلَّا مَنِ اخْتَارَ اتِّبَاعَكَ مِنْهُمْ لِغَوَايَتِهِ انْتَهَى. فَجَعَلَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى انْتِفَاءِ تَزْيِينِهِ وَإِغْوَائِهِ. وَكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الْإِشَارَةَ إِلَى مَا اسْتَثْنَاهُ إِبْلِيسُ، وَإِلَى مَا قَرَّرَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي. وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: أَيْ: هَذَا صِرَاطٌ عُهْدَةُ اسْتِقَامَتِهِ عَلَيَّ. وَفِي حِفْظِهِ أَيْ: حِفْظُهُ عَلَيَّ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ مُعْوَجٍّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى عَلَيَّ إِلَيَّ. وَقِيلَ: عَلَيَّ كَأَنَّهُ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ مَرَّ عَلَيَّ أَيْ: عَلَى رِضْوَانِي وَكَرَامَتِي. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ، وَإِبْرَاهِيمُ. وَأَبُو رَجَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ، وَحُمَيْدٌ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَعِمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَأَبُو شَرَفٍ مَوْلَى كِنْدَةَ، وَيَعْقُوبُ: عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ أَيْ: عَالٍ لِارْتِفَاعِ شَأْنِهِ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُؤَكِّدُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ.
وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي، إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ أَيْ: أَنَّ الْمُخْتَصِّينَ بِعِبَادَتِي، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قوله: إلا من اتبعك، اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا، لِأَنَّ مَنِ اتَّبَعَهُ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي:
وَإِنْ كَانَ أُرِيدَ بِعِبَادِي عُمُومُ الْخَلْقِ فَيَكُونُ: إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومٍ، وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَبَقَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَقَلُّ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا النُّحَاةُ. فَأَجَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute