مَعْنَى صَبَأَ الْمَهْمُوزِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ: بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَبَأَ:
بِمَعْنَى مَالَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِلَى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي ... وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يَكُونُ أَصْلُهُ الْهَمْزُ، فَسُهِّلَ بِقَلْبِ الْهَمْزِ أَلِفًا فِي الْفِعْلِ وَيَاءً فِي الِاسْمِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ السِّبَاعَ لَتَهْدِيَ فِي مَرَابِضِهَا ... وَالنَّاسُ لَيْسَ بِهَادٍ شَرُّهُمْ أَبَدَا
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَكُنْتُ أَذَلَّ مِنْ وَتَدٍ بِقَاعٍ ... يُشَجَّجُ رَأْسُهُ بِالفَهْرِوَاجِ
وَقَالَ آخَرُ:
فَارْعِي فَزَارَةَ لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ إِلَّا أَنَّ قَلْبَ الْهَمْزَةِ أَلِفًا يُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَلْبُ الْهَمْزَةِ يَاءً فَبَابُهُ الشِّعْرُ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرَ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَالصَّابِئِينَ: لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظُ الْقُرْآنِ هُنَا، فَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَمَوْضِعُهَا كُتُبُ الْفِقْهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، مَنْ: مُبْتَدِأَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، فَالْخَبَرُ الْفِعْلُ بَعْدَهَا، وَإِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً، فَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ الْمَوْصُولَ قَدِ اسْتَوْفَى شروط جواز دُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَاتَّفَقَ الْمُعْرِبُونَ وَالْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ آمَنَ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ إِذَا كَانَ مَنْ مُبْتَدَأً، وَأَنَّ الرَّابِطَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَلَا يَتِمُّ مَا قَالُوهُ إِلَّا عَلَى تَغَايُرِ الْإِيمَانَيْنِ، أَعْنِي: الَّذِي هُوَ صِلَةُ الَّذِينَ، وَالَّذِي هُوَ صِلَةُ مَنْ، إِمَّا فِي التَّعْلِيقِ، أَوْ فِي الزَّمَانِ، أَوْ فِي الْإِنْشَاءِ وَالِاسْتِدَامَةِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَغَايَرَا، فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ، وَمَنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، لا يُقَالُ: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ إِلَّا عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَ الْإِيمَانَيْنِ. وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْحَذْفِ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، أَيْ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ، وَذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَنْ آمَنَ خَبَرًا عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَمَنْ أَعْرَبَ مَنْ مُبْتَدَأً، فَإِنَّمَا جَعَلَهَا شَرْطِيَّةً. وَقَدْ ذَكَرْنَا جَوَازَ كَوْنِهَا مَوْصُولَةً، وَأَعْرَبُوا أَيْضًا مَنْ بَدَلًا، فَتَكُونُ مَنْصُوبَةً مَوْصُولَةً. قَالُوا: وَهِيَ بَدَلٌ مِنِ اسْمِ إِنَّ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute