للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، كَانَ الضَّمِيرُ النَّعْتَ بِهِ إِلَى قُرَيْشٍ إِذْ كَانَ لَهُمُ اهْتِدَاءٌ بِالنُّجُومِ فِي مَسَايِرِهِمْ، وَكَانَ لَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ، فَكَانَ الشُّكْرُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وَالِاعْتِبَارُ أَلْزَمَ لَهُمْ. وَقَدَّمَ الْمَجْرُورَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اعْتِنَاءً وَلِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ. وَالزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى عَادَتِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَبِالنَّجْمِ خُصُوصًا هُمْ يَهْتَدُونَ.

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ: ذَكَرَ تَعَالَى التَّبَايُنَ بَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ وَهُوَ الْبَارِي تَعَالَى، وَبَيْنَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَهِيَ الْأَصْنَامُ، وَمَنْ عُبِدَ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ، فَجَدِيرٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ مَنْ لَهُ الْإِنْشَاءُ دُونَ غَيْرِهِ. وَجِيءَ بِمَنْ فِي الثَّانِي لِاشْتِمَالِ الْمَعْبُودِ غَيْرِ اللَّهِ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، أَوْ لِاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا وَأَفْعَالًا، فَعُومِلَتْ مُعَامَلَةَ أُولِي الْعِلْمِ، أَوْ لِلْمُشَاكَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ، أَوْ لِتَخْصِيصِهِ بِمَنْ يَعْلَمُ. فَإِذَا وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَ الْخَالِقِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْخَالِقِ، مِنْ أُولِي الْعِلْمِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَعْلَمُ الْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها «١» أَيْ:

أَنَّ آلِهَتَهُمْ مُنْحَطَّةٌ عَنْ حَالِ مَنْ لَهُ أَرْجُلٌ، لِأَنَّ مَنْ لَهُ هَذِهِ حَيٌّ، وَتِلْكَ أَمْوَاتٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُعْبَدَ لَا أَنَّ مَنْ لَهُ رِجْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُعْبَدَ؟ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : هُوَ إِلْزَامٌ لِلَّذِينِ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ وَسَمَّوْهَا آلِهَةً تَشْبِيهًا بِاللَّهِ، فَقَدْ جَعَلُوا غَيْرَ الْخَالِقِ مِثْلَ الْخَالِقِ، فَكَانَ حَقَّ الْإِلْزَامِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: أَفَمَنْ لَا يَخْلُقُ كَمَنْ يَخْلُقُ؟ (قُلْتُ) : حِينَ جَعَلُوا غَيْرَ اللَّهِ مِثْلَ اللَّهِ فِي تَسْمِيَتِهِ بِاسْمِهِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ، وَسَوَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَقَدْ جَعَلُوا اللَّهَ مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ وَشَبِيهًا بِهَا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ، ثُمَّ وَبَّخَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، أَيْ: مِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْغَفْلَةُ. وَالنِّعْمَةُ يُرَادُ بِهَا النِّعَمُ لَا نِعْمَةٌ وَاحِدَةٌ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا وَقَوْلُهُ: لَا تُحْصُوها «٢» إِذْ يَنْتَفِي الْعَدُّ وَالْإِحْصَاءُ فِي الْوَاحِدَةِ، وَالْمَعْنَى: لَا تُحْصُوا عَدَّهَا، لِأَنَّهَا لِكَثْرَتِهَا خَرَجَتْ عَنْ إِحْصَائِكُمْ لَهَا، وَانْتِفَاءُ إِحْصَائِهَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا مِنَ الشُّكْرِ. وَلَمَّا ذَكَرَ نِعَمًا سَابِقَةً أَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ نِعَمِهِ لَا يُطِيقُونَ عَدَّهَا. وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، حَيْثُ يَتَجَاوَزُ عَنْ تقصيركم في


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٩٥.
(٢) سورة ابراهيم: ١٤/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>