فِسْقٌ يَلْزَمُهُ الْإِعْلَانُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ الْمُسْتَكْبِرِينَ يجيؤون أَمْثَالَ الذَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ»
أَوْ كَمَا
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي لَا جَرَمَ فِي هُودٍ «١» .
وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ إِنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْقَطْعِ مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
وَقَدْ يُغْنِي لَا جَرَمَ عَنْ لَفْظِ الْقَسَمِ، تَقُولُ: لَا جَرَمَ لَآتِيَنَّكَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ تَعَلَّقَ بِلَا جَرَمَ، وَلَا يَكُونُ اسْتِئْنَافًا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ لِمِرْدَاسٍ الْخَارِجِيِّ: لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَأُفَارِقَنَّكَ أَبَدًا، نَفَى كَلَامَهُ تَعَلُّقُهَا بِالْقَسَمِ. وَفِي قَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَعِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ، وَالنَّقَّاشُ: الْمُرَادُ هُنَا بِمَا يُسِرُّونَ تَشَاوُرُهُمْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ فِي قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم انتهى. ولا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَامٌّ فِي الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقِسْطِهِ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ. قِيلَ: سَبَبُ نُزُولِ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ الْآيَةَ، أَنَّ النضر بن الحرث سَافَرَ عَنْ مَكَّةَ إِلَى الْحِيرَةِ، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ كُتُبَ التَّوَارِيخِ وَالْأَمْثَالِ كَكَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ، وَأَخْبَارَ اسْفَنْدِيَارَ وَرُسْتُمَ، فَجَاءَ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا يُحَدِّثُ مُحَمَّدٌ بِأَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ وَحَدِيثِي أَجْمَلُ من حديثه. وماذا كَلِمَةُ اسْتِفْهَامٍ مَفْعُولٌ بِأَنْزَلَ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ذَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَعَائِدُهُ فِي أَنْزَلَ مَحْذُوفٌ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ الَّذِي أَنْزَلَهُ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ مَاذَا مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ قَالَ: بِمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ أَنْزَلَهُ رَبُّكُمْ. وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ عَائِدٌ عَلَى كفار قريش. وَمَاذَا أَنْزَلَ لَيْسَ مَعْمُولًا لَقِيلَ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ، وَالْجُمْلَةُ لَا تَقَعُ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، كَمَا لَا تَقَعُ مَوْقِعَ الْفَاعِلِ. وقرىء شَاذًّا: أَسَاطِيرَ بِالنَّصْبِ عَلَى معنى ذكر ثم أَسَاطِيرَ، أَوْ أَنْزَلَ أَسَاطِيرَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالسُّخْرِيَةِ، لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْإِنْزَالِ يُنَافِي أَسَاطِيرَ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مَا نَزَلَ شَيْءٌ وَلَا أن ثمّ منزل. وَبَنَى قِيلَ: لِلْمَفْعُولِ، فَاحْتَمَلَ أن كون القائل بعضهم
(١) سورة هود: ١١/ ٢٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute