قَالَ مُجَاهِدٌ: الدِّينُ الْإِخْلَاصُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْعِبَادَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَالْفَرَائِضِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ: الطَّاعَةُ، زَادَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْمُلْكُ. وَأَنْشَدَ:
فِي دِينِ عَمْرٍو وَحَالَتْ بَيْنَنَا فَدَكُ أَيْ: فِي طَاعَتِهِ وَمُلْكِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوَّلُهُ الْحَدَّادُ أَيْ: دَائِمًا ثَابِتًا سَرْمَدًا لَا يَزُولُ، يَعْنِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ: وَاصِبًا دَائِمًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْوَاصِبُ الْوَاجِبُ الثَّابِتُ لِأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنْهُ بِالطَّاعَةِ وَاجِبَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ مِنَ الْوَصَبِ وَهُوَ التَّعَبُ، وَهُوَ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ أَيْ: ذَا وَصَبٍ، كَمَا قَالَ: أَضْحَى فُؤَادِي بِهِ فَاتِنًا، أَيْ ذَا فُتُونٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ وَلَهُ الدِّينُ ذَا كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ تَكْلِيفًا انْتَهَى. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَلَهُ الدِّينُ وَالطَّاعَةُ رَضِيَ الْعَبْدُ بِمَا يُؤْمَرُ بِهِ وَسَهُلَ عَلَيْهِ أَمْ لَا يَسْهُلُ فَلَهُ الدِّينُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْوَصَبُ. وَالْوَصَبُ: شِدَّةُ التَّعَبِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:
وَاصِبًا خَالِصًا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْوَاوُ فِي وله ما في السموات وَالْأَرْضِ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ:
إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ ابْتِدَاءٍ انْتَهَى. وَلَا يُقَالُ وَاوُ ابْتِدَاءٍ إِلَّا لِوَاوِ الْحَالِ، وَلَا يَظْهَرُ هُنَا الْحَالُ، وَإِنَّمَا هِيَ عَاطِفَةٌ: فَإِمَّا عَلَى الْخَبَرِ كَمَا ذَكَرَ أَوْلَا فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي تَقْدِيرِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْخَبَرِ، وَإِمَّا عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَسْرِهَا الَّتِي هِيَ: إِنَّمَا هي إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ. وَانْتَصَبَ وَاصِبًا عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَجْرُورُ.
أَفَغَيْرَ اللَّهِ اسْتِفْهَامٌ تَضَمَّنَ التَّوْبِيخَ وَالتَّعَجُّبَ أَيْ: بعد ما عَرَفْتُمْ وَحْدَانِيَّتَهُ، وَأَنَّ مَا سِوَاهُ لَهُ وَمُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، كَيْفَ تَتَّقُونَ وَتَخَافُونَ غَيْرَهُ وَلَا نَفْعَ وَلَا ضُرَّ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ جَمِيعَ النِّعَمِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنَّا إِنَّمَا هِيَ مِنْ إِيجَادِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ الشُّكْرِ عَلَى مَا أَسْدَى مِنَ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ. وَنِعَمُهُ تَعَالَى لَا تُحْصَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها «١» . وما مَوْصُولَةٌ، وَصِلَتُهَا بِكُمْ، وَالْعَامِلُ فِعْلُ الِاسْتِقْرَارِ أَيْ: وَمَا استقر بكم، ومن نِعْمَةٍ تَفْسِيرٌ لِمَا، وَالْخَبَرُ فَمِنَ اللَّهِ أَيْ: فَهِيَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَتَقْدِيرُ الْفِعْلِ الْعَامِلِ بِكُمْ خَاصًّا كَحَلَّ أَوْ نَزَلَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالْحَوْفِيُّ: أَنْ تَكُونَ مَا شَرْطِيَّةً، وَحُذِفَ فِعْلُ الشَّرْطِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ. وَمَا يَكُنْ بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، وَهَذَا ضعيف جدا لأنه
(١) سورة ابراهيم: ١٤/ ٣٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute